مزاجك اليوم
اللواء مهندس جابر شعراوي - أحد ابطال موقعة كبريت
اللواء مهندس / جابر أحمد الشعراوي
اللواء 130 الكتيبة 603
نطالع في هذه الصفحة من صفحات البطولة في حرب أكتوبر1973 م ، مذكرات بطل من أبطال موقعة الصمود العظيم في نقطة كبريت ، التي صمد فيها أسود جيش مصر ، وانتصروا رغم الحصار القاسي الذي تعرضوا له أثناء الحرب .
وإذا كنا لا نشك لحظة في عزيمة ، وإصرار ، وبسالة جنودنا ومقاتلينا ، أسود المعارك ، فإننا عندما نـقـرأ مواقـفهـم وبطولاتهم نزداد ثقة أنهم لا يعرفون المستحيل ، ولا يقبلون بالهزيمة ، فهم خير أجناد الأرض ، كما وصفهـم محمد صلى الله عليه وسلم ، وشعـارهم دوماً "النصر أو الشهادة" . فإلى ذكريات البطل :
- نشأتي وتعليمي :
ولدت يوم 17 / 12 / 1949م بمحافظة الإسكندرية ، وعشت مرحلة طفولتى ، كأي طفل مصري ، بداية من الحضانة ، ثم الابتدائية ، ثم الإعدادية ، ثم الثانوية العامة ، وصولاً إلي دراسة علم الهندسة ، وعلم الحرب معاً ، في الكلية الفنية العسكرية .
ولطالما ظلت الاسكندرية مدينتي ، خلال تلك المرحلة من عمري هادئة وجميلة ، ليس فيها الزحام الموجود حاليا . وكانت الحياة تمضي سهلة ، وبسيطة ، وثرية بدفء العلاقات الاجتماعية بين الجيران ، والأقارب ، والأصدقاء .
وكانت مراحل التعليم جميعا في ذلك الوقت ، مطعمة بالكثير من الأنشطة الرياضية ، إلى جانب التعليم ، وتميز المدرسون بالإخلاص ، والمهارة في تبسيط المناهج الدراسية ، وشرحها بشكل وافٍ ، يحقق توصيل المعلومة للطالب ، ولم يكونوا يبخلون علينا ، ولكن يعطوننا كل ما لديهم خلال الدرس .
وكنت قد بدأت نشاطي الرياضي في المرحلة الاعدادية ، وتحديدا في ألعاب القوي ، مثل الجري عبر الحـواجـز ، والملاكـمة والمصارعة ، وتفوقت فيها ، وشاركت في مسابقاتها .
ومن أساتذتي الذين تركوا أثراً في حياتي ، ولم أنسهم حتى الآن
مدرس التاريخ بالمرحلة الابتدائية ، الذي كان يشرح لنا المنهج بالتفصيل ، ويوسع آفاقنا بمعلومات إضافية من خارج الكتاب . وأيضا مدرس الرياضيات بالمرحلة الاعدادية ، وكان ممن يؤدون رسالتهم علي أكمل وجه . وكان كل مدرس في ذلك الوقت يعلمنا ويزرع فينا لا شعورياً صفات الرجولة ، وأحاسن القيم والأخلاق ، ومن ضمن ذلك ، أن الصهاينة اليهود الغاصبين هم العدو الأول والأخير لمصر .
وبدأ ارتباطي بالعسكرية في المرحلة الثانوية ، حيث كانت مادة التربية العسكرية مقررة علينا تحت مسمى "الفتوّة" ، وكنا نتسلم في بداية العام الدراسي ، زياًّ مدرسياً موحداً ، عبارة عن قميصٍ لبني اللون ، وبنطالٍ كُحلي ( أزرق داكن ) اللون ، وحذاءٍ عسكريٍ بنصف رقبة . وكان من يدرّسون لنا المادة ، ضباطاً وصفَ ضباط ، فكانت روح العسكرية ، والوحدة الوطنية تشيع في المدرسـة ، وأطلق عليّ زملائي لقب "رقيب أول" المدرسـة فكنت أشارك مع زملائي من الشرطة العسكرية المدرسية ، في تنظيم طابـور الصباح ، وتحـية العـَلـَم بالسلاح ، ولكـنه سـلاح صغـير ( بندقية موريس 5,6 مم ) ، نتسلمه يومياً من السلاحليك ( مخزن الأسلحة ) في المدرسة ، ونعيده بعد انتهاء الطابور ، إلى السلاحليك ، الذي كان يحوي سيوفاً أيضاً بالإضافة للبنادق .
وكان لنظام الفتوة دوراً كبيراً في تربية الطلبة علي روح الجندية وكانت حصة الفتوة أساسـية لجميع الطلاب ، بالإضافة للأنشطة الميدانية المتعلقة بها ، فكنّا بعد انتهاء اليوم الدراسي نتلقى تدريبات عملية ، كـتدريبات فرق الصاعقة ، ونحضر طابوراً لممارسة فنون الاشتباك ، بل وحتى في الإجازة الصيفية ، كنا نتلقى مزيداً من التدريب تحت إشراف "هيئة الفتوة" ، التي كانت فروعها تغطي كـل المحافـظـات . وكان على الطلبة في جميع أنحاء الجمهورية ، أن يجتازوا فرقة مظلات مصغرة ، كجزء من التدريب الإلزامي للفتوة ، مما ساهم بقوة في غرس روح الانتماء ، والوطنية ، في نفوس الطلبة . وكنا نتدرب أيضاً على العروض العسكرية ، ونؤديها في الاحتفالات والمناسبات بالمدرسة ، وكان الدور المنوط بشباب الفتوة في حالة الحرب - نسأل الله العافية - هو الدفاع عن المناطق محل إقامتنا ، إذا احتاج الأمر لذلك ، لا قدر الله .
ولطالما ظلت الاسكندرية مدينتي ، خلال تلك المرحلة من عمري هادئة وجميلة ، ليس فيها الزحام الموجود حاليا . وكانت الحياة تمضي سهلة ، وبسيطة ، وثرية بدفء العلاقات الاجتماعية بين الجيران ، والأقارب ، والأصدقاء .
وكانت مراحل التعليم جميعا في ذلك الوقت ، مطعمة بالكثير من الأنشطة الرياضية ، إلى جانب التعليم ، وتميز المدرسون بالإخلاص ، والمهارة في تبسيط المناهج الدراسية ، وشرحها بشكل وافٍ ، يحقق توصيل المعلومة للطالب ، ولم يكونوا يبخلون علينا ، ولكن يعطوننا كل ما لديهم خلال الدرس .
وكنت قد بدأت نشاطي الرياضي في المرحلة الاعدادية ، وتحديدا في ألعاب القوي ، مثل الجري عبر الحـواجـز ، والملاكـمة والمصارعة ، وتفوقت فيها ، وشاركت في مسابقاتها .
ومن أساتذتي الذين تركوا أثراً في حياتي ، ولم أنسهم حتى الآن
مدرس التاريخ بالمرحلة الابتدائية ، الذي كان يشرح لنا المنهج بالتفصيل ، ويوسع آفاقنا بمعلومات إضافية من خارج الكتاب . وأيضا مدرس الرياضيات بالمرحلة الاعدادية ، وكان ممن يؤدون رسالتهم علي أكمل وجه . وكان كل مدرس في ذلك الوقت يعلمنا ويزرع فينا لا شعورياً صفات الرجولة ، وأحاسن القيم والأخلاق ، ومن ضمن ذلك ، أن الصهاينة اليهود الغاصبين هم العدو الأول والأخير لمصر .
وبدأ ارتباطي بالعسكرية في المرحلة الثانوية ، حيث كانت مادة التربية العسكرية مقررة علينا تحت مسمى "الفتوّة" ، وكنا نتسلم في بداية العام الدراسي ، زياًّ مدرسياً موحداً ، عبارة عن قميصٍ لبني اللون ، وبنطالٍ كُحلي ( أزرق داكن ) اللون ، وحذاءٍ عسكريٍ بنصف رقبة . وكان من يدرّسون لنا المادة ، ضباطاً وصفَ ضباط ، فكانت روح العسكرية ، والوحدة الوطنية تشيع في المدرسـة ، وأطلق عليّ زملائي لقب "رقيب أول" المدرسـة فكنت أشارك مع زملائي من الشرطة العسكرية المدرسية ، في تنظيم طابـور الصباح ، وتحـية العـَلـَم بالسلاح ، ولكـنه سـلاح صغـير ( بندقية موريس 5,6 مم ) ، نتسلمه يومياً من السلاحليك ( مخزن الأسلحة ) في المدرسة ، ونعيده بعد انتهاء الطابور ، إلى السلاحليك ، الذي كان يحوي سيوفاً أيضاً بالإضافة للبنادق .
وكان لنظام الفتوة دوراً كبيراً في تربية الطلبة علي روح الجندية وكانت حصة الفتوة أساسـية لجميع الطلاب ، بالإضافة للأنشطة الميدانية المتعلقة بها ، فكنّا بعد انتهاء اليوم الدراسي نتلقى تدريبات عملية ، كـتدريبات فرق الصاعقة ، ونحضر طابوراً لممارسة فنون الاشتباك ، بل وحتى في الإجازة الصيفية ، كنا نتلقى مزيداً من التدريب تحت إشراف "هيئة الفتوة" ، التي كانت فروعها تغطي كـل المحافـظـات . وكان على الطلبة في جميع أنحاء الجمهورية ، أن يجتازوا فرقة مظلات مصغرة ، كجزء من التدريب الإلزامي للفتوة ، مما ساهم بقوة في غرس روح الانتماء ، والوطنية ، في نفوس الطلبة . وكنا نتدرب أيضاً على العروض العسكرية ، ونؤديها في الاحتفالات والمناسبات بالمدرسة ، وكان الدور المنوط بشباب الفتوة في حالة الحرب - نسأل الله العافية - هو الدفاع عن المناطق محل إقامتنا ، إذا احتاج الأمر لذلك ، لا قدر الله .
- ·نكسة 1967 :
كان الرئيس جمال عبد الناصر في تلك الفترة ، هو الزعيم الأوحد ، والأقوي ، والمثل الأعلى للشباب . وكانت طوائف الشعب كلها تستمع بإنصات لخطبه ، فلا تسمع وقتها صوتاً واحداً في البيوت ، ولا في المقاهي . وكانت الشوارع تصبح خالية ، إلا من صوت الرئيس جمال عبد الناصر في الراديو ( المذياع ) والكل منتبه لما يقول . وكان الجميع يحبونه حباً جارفاً ، ويرونه رجلاً وطنياً محباً لوطنه ، وشعبه .
وكان سبب النكسة هو دخول جيش مصر الحرب فجأة ، بعد ما تم استنزافه في حرب اليمن . وكنا لا نعرف شيئاً عن تلك الحرب ، بل كنا نستمع للإذاعة ، ونقرأ في الصحف أن أحد اليمنيين ، ويُدعي "عبدالله السلال" ، هو قائد ثورة اليمن ، وأنه يأتي إلي مصر ، وأن من يُعرف هناك بـ "الإمام" ، يذهب إلي السعودية ، ثم نسمع من الإذاعات الخارجية أن أتباع عبدالله السـلال ماهم إلا منـشـقـين ، وكلاماً كثيراً جداً مثل هذا . فكنا لا ندرك لماذا يحارب جيشنا هناك ، ولم يخطر ببالنا أن لذلك علاقة بتأمين الملاحة في باب المندب ، وتأثير ذلك على مصر ، غير أننا سمعنا عن ذهاب جنودنا إلى هناك ، وأن عددهم بدأ بكتيبة صاعقة واحدة ، ثم بدأت أعدادهم المسافرة إلى هناك تتزايد .
ثم سمعنا أن سوريا قد أبلغت مصر فجأة ، أن القوات الإسرائيلية بدأت تحتشد علي حدودها ، فوجَّه عبدالناصر القوات المسلحة المصرية ، لسرعة تعزيز حشودها في سيناء ، دفاعاً عن الشقيقة سوريا ، وقام بإلقاء خطاب ، من داخـل إحـدى قواعدنا الجوية في سـيناء ، معلناً فيه إجلاء قوات الأمم المتحدة - المتواجدين بصفة مراقبين - على خط التماس بينا وبين فلسطين المحتلة للأسف ، وكذا إغلاق مضيق "تيران" أمام الملاحة الدولية . فكنا لا نعرف ما هو مضيق تيران أصلاً ، ولا نفهم أن ذلك يُعد بمثابة إعلان حرب على إسرائيل ، وبدأت الأزمة تـشـتد بعدها والأحداث تتسارع .
وكانت امتحانات الثانوية العامة وقتها قد اقتربت ، فبينما أنا أذاكر دروسي في بيتنا نهاراً يوم 05 يونيو ، إذ سمعنا هتافات الناس في الشـوارع ، وهم يرددون "الله اكبر! الله اكبر!" ، ففتحنا المذياع لنعرف ما الخبر ، فإذا الحرب قد بدأت . ثم توالت علينا البيانات العسكرية ، أننا قد أسقطنا عشرات الطائرات لقوات العدو ، والناس يهتفون - مع كل بيان - بفرحة في الشوارع والمقاهي ، والبيوت : "الله اكبر" . ولكن بدأت لهجة البيانات في اليوم التالي تتغير ، معلنة أن الجـيش المصري يقـف موقـف الدفاع ، وأننا قد بدأنا في "احتلال نسق الدفاع الثاني" . والناس يتساءلون هل تحولنا إلى الدفاع ؟ وهل يوجد نسق دفاع أول ونسق دفاع ثاني ؟ .
وبدأت أنا في ذلك الوقت أشعر بالخطر علي مصر ، وجاءني اتصالان ، أحـدهـما من الرائد / وائل عـطية قائد المدرسـة والآخر من مساعده الرقيب أول / عبد الفتاح ، أن أتوجه الي المدرسة بملابس الفتوة ، فأسرعت إلى هناك ، ووجدت عدداً كبيراً من زملائي ، قد سبقوني بملابس الفتوة أيضاً ، وبدأ الضباط ، وصف الضباط ، يوزعون علينا جميعاً "واجب عمليات" أن مهمتنا هي الدفاع عن محـطـات البنزين ، ومحـطات القـطار في منطـقـتنا "أبو قير" ، و"سيدي جابر" ، وغيرهما .
ثم سلمونا بنادق وذخيرة ( طلقات رصاص) حيّة ، وأمرونا أن نحتفظ بالطلقات في جيوبنا ، ولا نعمّرها ( نلقمها في البندقية ) إلا إذا حدث هجوم ، لا قدّر الله .
وتوجهنا إلي الأماكنالمحددة لنا ، ورابطنا فيها ، وكنا نبيت هناك ، ولا نذهب إلي بيوتنا ، إلا بمقدار ما يطمئن ذوونا علينا ونأكل أي شئ متوفر ، ثم نعود مرة أخري لمهامنا ، وكان ذوونا يتفهمون الموقف ، ويعرفون أننا نؤدي واجبنا تجاه الوطن .
وفي ظل تلك الظروف الصعبة ، فاجأنا الرئيس جمال بخطابه الثاني - خطاب التنحي - فشعرنا عندما سمعناه ، أن كل شئ قد انهار ، وأن النكسة قد حصلت فعلاً ، واستمرينا مع ذلك مرابطين بالشوارع لتأمين المظاهرات ، التي نعرف أنها سـتخـرج تلقائياً لأن الشعب كان متمسكاً بعبد الناصر ، يحبونه ، ويرون أنه هو الرجل القوي الذي سـيخرج بهم إلى النور مرة أخرى ، من الظلام الذي خيّم وقتها ، وليس أحدٌ غيره .
ولكن اهتزت بشدة ثقة المصريين فيمن حوله من قيادات ، فلم نعد نفهم ماذا كانوا يفعلون وهم على رأس تلك المناصب ، ولماذا خرجوا علينا بتلك البيانات الكاذبة في بداية الحرب ، ولماذا تركوا الرئيس يندفع بسرعة نحو الحرب ، ماداموا غير جاهزين لها .
وفي تقديري الشخصي ،أن الاستهانة بالعدو ، والغرور الزائد نتيجة للصورة الزائفة التي أعطاها عبدالحكيم عامر ، وزير الحربية آنذاك ، للرئيس جمال، كانت من الأسباب الرئيسية للنكسة . وكذلك أدى عدم الدراية بواقع اليهود الفعلي ، إلى الاستهانة بهم ، والاندفاع باتجاه حرب لم يكن جيشنا جاهزاً لها . وإذا تملك الغرور أحداً ، فبالتأكيد لن يقوم بتدريب قواته وتجهيزها علي أحسن وجه . واستشعر الناس التخبط الواضح لدى القيادات ، وعدم وجود خطة مدروسة ، أو بدائل ، وأن من كان مسؤولا عن الجيش ، لم يفعل شيئاً من واجباته المفترضة .
وقد ظهرت لي تلك الصورة أكثر وضوحا ، بعد التحاقي بالكلية الحربية ، ودراستي لمبادئ العلوم العسكرية ، من أنه لابد من التحضير الجيد للحرب قبل خوضها ، ودراسة جميع احتمالاتها ، وتخطيط وتجهيز الإجراءات اللازمة لمواجهة كل احتمال منها ، وكـذا دراسة العـدو لنعـرفه ، كما نعرف أنفـسنا تمام المعرفة ، وأنه لابد لمن يريد أن يحارب ، أن يدرس الأرض التي ستقوم عليها المعركة أيضاً ، وأن يضع الخططاً البديلة إذا فشلت الخطة الرئيسية للتغلب علي العدو ، ولا يترك ثغرة يمكن أن يدخل العدو إليه منها ، دون دراستها وتأمينها .
ورغم أن هذا كله موجود منذ القدم في علوم الحرب ، إلا أنه لم يؤخذ في الاعتبار من طرف قادة الجيش وقتها ، ولم يعمل به أحد منهم للأسف . ولكن تغير الحال تماما ، بعد أن تسببت النكسة بحمد الله ، في إفاقة الجميع من غفلتهم ، وظهرت آثار ذلك أثناء تدريباتنا الشاقة ، استعداداً لحرب أكتوبر / العاشر من رمضان .
وأعود لسياق حديثي السابق ، حيث تم تأجيل امتحانات الثانوية العامة في ذلك العام 1967 م ، إلى أجل غير مسمي ، بسبب النكسة . وبالطبع لم يتمكن الطلاب الذين شاركوا في عمليات حماية ، وتأمين المنشآت وقتها ، من المذاكرة بشكل جيد .
وكان سبب النكسة هو دخول جيش مصر الحرب فجأة ، بعد ما تم استنزافه في حرب اليمن . وكنا لا نعرف شيئاً عن تلك الحرب ، بل كنا نستمع للإذاعة ، ونقرأ في الصحف أن أحد اليمنيين ، ويُدعي "عبدالله السلال" ، هو قائد ثورة اليمن ، وأنه يأتي إلي مصر ، وأن من يُعرف هناك بـ "الإمام" ، يذهب إلي السعودية ، ثم نسمع من الإذاعات الخارجية أن أتباع عبدالله السـلال ماهم إلا منـشـقـين ، وكلاماً كثيراً جداً مثل هذا . فكنا لا ندرك لماذا يحارب جيشنا هناك ، ولم يخطر ببالنا أن لذلك علاقة بتأمين الملاحة في باب المندب ، وتأثير ذلك على مصر ، غير أننا سمعنا عن ذهاب جنودنا إلى هناك ، وأن عددهم بدأ بكتيبة صاعقة واحدة ، ثم بدأت أعدادهم المسافرة إلى هناك تتزايد .
ثم سمعنا أن سوريا قد أبلغت مصر فجأة ، أن القوات الإسرائيلية بدأت تحتشد علي حدودها ، فوجَّه عبدالناصر القوات المسلحة المصرية ، لسرعة تعزيز حشودها في سيناء ، دفاعاً عن الشقيقة سوريا ، وقام بإلقاء خطاب ، من داخـل إحـدى قواعدنا الجوية في سـيناء ، معلناً فيه إجلاء قوات الأمم المتحدة - المتواجدين بصفة مراقبين - على خط التماس بينا وبين فلسطين المحتلة للأسف ، وكذا إغلاق مضيق "تيران" أمام الملاحة الدولية . فكنا لا نعرف ما هو مضيق تيران أصلاً ، ولا نفهم أن ذلك يُعد بمثابة إعلان حرب على إسرائيل ، وبدأت الأزمة تـشـتد بعدها والأحداث تتسارع .
وكانت امتحانات الثانوية العامة وقتها قد اقتربت ، فبينما أنا أذاكر دروسي في بيتنا نهاراً يوم 05 يونيو ، إذ سمعنا هتافات الناس في الشـوارع ، وهم يرددون "الله اكبر! الله اكبر!" ، ففتحنا المذياع لنعرف ما الخبر ، فإذا الحرب قد بدأت . ثم توالت علينا البيانات العسكرية ، أننا قد أسقطنا عشرات الطائرات لقوات العدو ، والناس يهتفون - مع كل بيان - بفرحة في الشوارع والمقاهي ، والبيوت : "الله اكبر" . ولكن بدأت لهجة البيانات في اليوم التالي تتغير ، معلنة أن الجـيش المصري يقـف موقـف الدفاع ، وأننا قد بدأنا في "احتلال نسق الدفاع الثاني" . والناس يتساءلون هل تحولنا إلى الدفاع ؟ وهل يوجد نسق دفاع أول ونسق دفاع ثاني ؟ .
وبدأت أنا في ذلك الوقت أشعر بالخطر علي مصر ، وجاءني اتصالان ، أحـدهـما من الرائد / وائل عـطية قائد المدرسـة والآخر من مساعده الرقيب أول / عبد الفتاح ، أن أتوجه الي المدرسة بملابس الفتوة ، فأسرعت إلى هناك ، ووجدت عدداً كبيراً من زملائي ، قد سبقوني بملابس الفتوة أيضاً ، وبدأ الضباط ، وصف الضباط ، يوزعون علينا جميعاً "واجب عمليات" أن مهمتنا هي الدفاع عن محـطـات البنزين ، ومحـطات القـطار في منطـقـتنا "أبو قير" ، و"سيدي جابر" ، وغيرهما .
ثم سلمونا بنادق وذخيرة ( طلقات رصاص) حيّة ، وأمرونا أن نحتفظ بالطلقات في جيوبنا ، ولا نعمّرها ( نلقمها في البندقية ) إلا إذا حدث هجوم ، لا قدّر الله .
وتوجهنا إلي الأماكنالمحددة لنا ، ورابطنا فيها ، وكنا نبيت هناك ، ولا نذهب إلي بيوتنا ، إلا بمقدار ما يطمئن ذوونا علينا ونأكل أي شئ متوفر ، ثم نعود مرة أخري لمهامنا ، وكان ذوونا يتفهمون الموقف ، ويعرفون أننا نؤدي واجبنا تجاه الوطن .
وفي ظل تلك الظروف الصعبة ، فاجأنا الرئيس جمال بخطابه الثاني - خطاب التنحي - فشعرنا عندما سمعناه ، أن كل شئ قد انهار ، وأن النكسة قد حصلت فعلاً ، واستمرينا مع ذلك مرابطين بالشوارع لتأمين المظاهرات ، التي نعرف أنها سـتخـرج تلقائياً لأن الشعب كان متمسكاً بعبد الناصر ، يحبونه ، ويرون أنه هو الرجل القوي الذي سـيخرج بهم إلى النور مرة أخرى ، من الظلام الذي خيّم وقتها ، وليس أحدٌ غيره .
ولكن اهتزت بشدة ثقة المصريين فيمن حوله من قيادات ، فلم نعد نفهم ماذا كانوا يفعلون وهم على رأس تلك المناصب ، ولماذا خرجوا علينا بتلك البيانات الكاذبة في بداية الحرب ، ولماذا تركوا الرئيس يندفع بسرعة نحو الحرب ، ماداموا غير جاهزين لها .
وفي تقديري الشخصي ،أن الاستهانة بالعدو ، والغرور الزائد نتيجة للصورة الزائفة التي أعطاها عبدالحكيم عامر ، وزير الحربية آنذاك ، للرئيس جمال، كانت من الأسباب الرئيسية للنكسة . وكذلك أدى عدم الدراية بواقع اليهود الفعلي ، إلى الاستهانة بهم ، والاندفاع باتجاه حرب لم يكن جيشنا جاهزاً لها . وإذا تملك الغرور أحداً ، فبالتأكيد لن يقوم بتدريب قواته وتجهيزها علي أحسن وجه . واستشعر الناس التخبط الواضح لدى القيادات ، وعدم وجود خطة مدروسة ، أو بدائل ، وأن من كان مسؤولا عن الجيش ، لم يفعل شيئاً من واجباته المفترضة .
وقد ظهرت لي تلك الصورة أكثر وضوحا ، بعد التحاقي بالكلية الحربية ، ودراستي لمبادئ العلوم العسكرية ، من أنه لابد من التحضير الجيد للحرب قبل خوضها ، ودراسة جميع احتمالاتها ، وتخطيط وتجهيز الإجراءات اللازمة لمواجهة كل احتمال منها ، وكـذا دراسة العـدو لنعـرفه ، كما نعرف أنفـسنا تمام المعرفة ، وأنه لابد لمن يريد أن يحارب ، أن يدرس الأرض التي ستقوم عليها المعركة أيضاً ، وأن يضع الخططاً البديلة إذا فشلت الخطة الرئيسية للتغلب علي العدو ، ولا يترك ثغرة يمكن أن يدخل العدو إليه منها ، دون دراستها وتأمينها .
ورغم أن هذا كله موجود منذ القدم في علوم الحرب ، إلا أنه لم يؤخذ في الاعتبار من طرف قادة الجيش وقتها ، ولم يعمل به أحد منهم للأسف . ولكن تغير الحال تماما ، بعد أن تسببت النكسة بحمد الله ، في إفاقة الجميع من غفلتهم ، وظهرت آثار ذلك أثناء تدريباتنا الشاقة ، استعداداً لحرب أكتوبر / العاشر من رمضان .
وأعود لسياق حديثي السابق ، حيث تم تأجيل امتحانات الثانوية العامة في ذلك العام 1967 م ، إلى أجل غير مسمي ، بسبب النكسة . وبالطبع لم يتمكن الطلاب الذين شاركوا في عمليات حماية ، وتأمين المنشآت وقتها ، من المذاكرة بشكل جيد .
- ·دخولي الكلية الفنية العسكرية :
وحين استؤنفت امتحانات الثانوية العامة ، بعد ذلك ، وظهرت النتائج ، تقدمت للالتحاق بالكلية الفنية العسكرية ، حيث المعتاد أن الحد الأدني لمجموع الدرجات المطلوب للقبول فيها ، يكون أقل من المطلوب للقبول بكليات الهندسة غير العسكرية . وكنت شـخـصياً أتمني الالتحاق بإحدى تلك الكليات ، ولكن شاءت إرادة الله غير ذلك ، وكان شعوري بواجبي تجاه وطني ، دافعاً مساعداً في ذات الاتجاه .
وكانت الكلية الفنية العسكرية وقتها ، تستقبل المتقدمين الجدد بمقرها بالقاهرة ، في معسكر لأداء اختبارات ، في اللغة الانجليزية والرياضيات ، والقدرات الخاصة ، واللياقة البدنية . وأذكر أننا ذهبنا للكلية في موعـد ظهـور النتيجة ، فلم نجـدها قد ظهرت ولكن أخضعـونا للاخـتبارات مرة أخرى ، بدلا من ذلك ثم ظهرت النتيجة تالياً ، بأنني من المقبولين بحمد الله ، وبدأت من ساعتها مرحلة جديدة تماماً من حياتي .
وكان العميد / محمد إبراهيم حسن سليم ، مدير الكلية الفنية العسكرية وقتها - رحمه الله - رجلاً وطنياً خالصاً ، وعَلَماً من أعلام قواتنا المسلحة . وكان مقيماً معنا في الكلية ، ويبذل جهداً غير عادي ، ويؤدي دوراً مهماً للغاية ، في رفع الروح المعنوية للطلبة . وكانت البلد وقتها في حالة حشد نـفـسي ، ومعـنوي كبيرين جداً ، لجميع الطاقات المتاحة ، وكنا كطلبة ، نبذل مجهودا مضاعفاً لمواكبة ذلك .
وكانت مدة الدراسة بالكلية ، ولا تزال ، خمس سنوات ، تشمل أحد عشر شهرا دراسياً لكل سنة ، وكانت إجازة نصف العام أسبوعاً واحداً ، وإجازة نهاية العام أسبوعين اثنين ، ثم نعود للكلية مرة أخري للتيرم ( الفصل الدراسي ) الصيفي ، فلا يوجد ما يسمي "إجازة" في الكلية . وكان التيرم الصيـفي مـزيجا من التدريب العملي الفـني والعسـكري ، بالإضافة لما يسمّي بـ "المشـروع" ، ويشبه مناورة عسكرية كاملة .
وكان يومنا الدراسي ، يبدأ في الساعة 05,45 صباحاً ، بطابور اللياقة البدنية ، ثم الإفطار ، ثم المحاضرات ، وينتهي في الساعة الثالثة عصرا ، ثم الغداء ، ثم راحة لمدة ساعتين ، تتلوها فترة السكاشن (الفصول) ، حيث يشرح لنا المعيدون ما درسناه في الصباح بالتفصيل ، ويحلون معنا التمارين عليه ، أو نذاكر نحن ما درسناه بشكل انفرادي ، ثم ينتهي البرنامج بالنوم ، ثم نبدأ يوماً جديد في صباح اليوم التالي .
وكنا نصل للتخصص في الكلية علي مرحلتين ، بعد السنة الأولى ، حيث تكون الدراسة فيها عامة لجميع الطلبة ، وتشمل المواد الهندسـية الأساسية ، كالـرياضيات ، والهندسة الفـراغية بما يماثل السنة الإعـدادية في كـليات الهندسة العادية ، مضافاً إليها المواد المساعدة ، كاللغتين الإنجليزية ، والعبرية ، والتعليم العسكري الأولي ، وضرب النار ( الرماية ) .
أما أولى مراحل التخصص ، وهي التخصص العام ، في السنة الثانية ، فكنا ندرس خلالها الميكانيكا ، والكهرباء ، والكيمياء .
وأما التخـصص الدقـيق ، فكان يستغرق السنتين الثالثة والرابعة وندرس فيهما ميكانيكا الصواريـخ ، والمركبات ، والمدرعات والطائرات ، والأسـلحة والذخـيـرة ، بالإضافة للتخصصات الأخري من كيمياء ، وكهرباء ، ثم نقوم بعمل مشروع التخرج خلال السنة الخامسة . وكان اختيار كل طالب للسلاح الذي يرغب العمل فيه ، يتم بكتابته لترتيب رغباته عند نهاية السنة الثانية ، ثم يتم تنسيق ذلك عن طريق إدارة الكلية ، للتوفيق بين رغبات الطلبة ، في ضوء مجموع درجات كل منهم في المقررات الدراسية المختلفة ، وبين احتياجات القوات المسلحة من كل تخـصص . وكان مجـموع درجاتي في السـنة الثانية يؤهلني لأن أختار أسلحة يقـبل عليها ويتمناها الكثير من الطلاب ولكني سجلت سلاح المدرعات كرغبة أولى ، وفق ما تمنيت منذ دخولي الكلية .
وكان أول شئ تعلمته في تخصص المدرعات ، هو أن أعرف عدوي جيداُ ، بتشكيله ، وأنواع أسلحته ، وإمكانيات كل سلاح . ولم يكن مطلوباً منا ، مقارنة سلاحنا بسلاح العدو ، وكنا نحن نثق بسلاحنا ، ولا يفكـر أحد منا في مقارنته بسـلاح العـدو وكانت هذه الثقة مهمة جدا لنا .
وكنظرة عامة لسلاح المدرعات ، فإنه ينقسم إلى نوعين من المعدات ، أولاهما الدبابة ، وهي كما نعلم ، مركبة قادرة علي عبور أنواع مختلفة من الأراضي والموانع ، وعليها دروع لحمايتها من طلقات الرصاص ، والشظايا المعادية ، وتحمل مدفعاً كبيراً فوقها ، وذخيرة للمدفع بداخلها ، وقد تحمل رشاشاً للمساعدة . ومهمتها الأساسية هي اقتحام وتدمير خطوط العدو وتشكيلاته ، دون أن يستطيع العدو تدميرها .
وكان للدبابة سابقاً رهـبة عظمى في المعارك ، قـبل أن تنعكس الأمور ، فتصبح الرهبة لجنود المشاة ، المسلحين بصواريخ م/ د ( مضاد للدبابات ) المحمولة ، بسبب حـرب أكتوبر .
أما ثانية معدات سلاح المدرعات فهي المدرعّة ، وهي مركبة عليها دروع أيضاً ، ولكنها مخصصة لحمل جنود المشاة بأسلحتهم داخلها لحمايتهم ، وتوصيلهم إلى مكان عملياتهم في أمان وسـرعة ، بدلا من استهلاك وقتهم ، وتعريضهم للخسائر في حال تحركهم إلى منطقة عملياتهم ، سيراً علي الأقدام .
ومن المدرعات - كما نعلم - ما يمكنه السير في البر فقط ، ومنها ما هو برمائي ، يمكنه التحرك عبر الموانع المائية أيضاً . وتختلف المدرعة البرمائية عن البرية ، في أنها مصممة بشكل يتيح لها الطفو على سطح الماء ، ومزودة بطبّات ( سدادات ) خاصة ، لإغلاق الفتحات التي يمكن أن تتسرب منها المياه إلى داخل المركبة ، أو إلى أي من أجزائها الميكانيكية . وذلك حتى يمكن للمركبة أن تظل تعمل أثناء طفوها . كما أنها تكون مزودة بتوربينات ( مراوح ) خلفية ، وصندوق تروس خاص ، يتيح نقل عزم المحرك من العجل إلى التوربينات والعكس ، بحيث يمكن للمركبة أن تتحرك في الماء بواسطة التوربينات ، ثم تعاود السير على البر مجدداً عند خروجها إليه مرة أخرى .
وكانت الدبابة السوفيتية "تي 62" من أقوي الدبابات لدينا ( وصلت الدبابة تي 62 لمصر أول مرة عام 1972 بعدد 200 دبابة فقط ) ، وكان مداها ( مسافة الرمي ) أكبر من مدي الدبابتين "سنتوريون" الإنجليزية ، و"إم 60" الأمريكية لدى العدو ، وكانت دبابات العدو تمتاز بمرونة حركة أكبر ، وبتوافر مخزون تعبوي واستراتيجي لديهم من الدبابات والذخائر ، أكبر كثيراً مما لدينا مما يتيح لهم تعويض الخسائر والمستهلكات أسرع منا ، وكانت دباباتنا الشرقية أقوى تحملاً ، وأقل أعطالاً من دباباتهم الغربية .
وكانت الكلية الفنية العسكرية وقتها ، تستقبل المتقدمين الجدد بمقرها بالقاهرة ، في معسكر لأداء اختبارات ، في اللغة الانجليزية والرياضيات ، والقدرات الخاصة ، واللياقة البدنية . وأذكر أننا ذهبنا للكلية في موعـد ظهـور النتيجة ، فلم نجـدها قد ظهرت ولكن أخضعـونا للاخـتبارات مرة أخرى ، بدلا من ذلك ثم ظهرت النتيجة تالياً ، بأنني من المقبولين بحمد الله ، وبدأت من ساعتها مرحلة جديدة تماماً من حياتي .
وكان العميد / محمد إبراهيم حسن سليم ، مدير الكلية الفنية العسكرية وقتها - رحمه الله - رجلاً وطنياً خالصاً ، وعَلَماً من أعلام قواتنا المسلحة . وكان مقيماً معنا في الكلية ، ويبذل جهداً غير عادي ، ويؤدي دوراً مهماً للغاية ، في رفع الروح المعنوية للطلبة . وكانت البلد وقتها في حالة حشد نـفـسي ، ومعـنوي كبيرين جداً ، لجميع الطاقات المتاحة ، وكنا كطلبة ، نبذل مجهودا مضاعفاً لمواكبة ذلك .
وكانت مدة الدراسة بالكلية ، ولا تزال ، خمس سنوات ، تشمل أحد عشر شهرا دراسياً لكل سنة ، وكانت إجازة نصف العام أسبوعاً واحداً ، وإجازة نهاية العام أسبوعين اثنين ، ثم نعود للكلية مرة أخري للتيرم ( الفصل الدراسي ) الصيفي ، فلا يوجد ما يسمي "إجازة" في الكلية . وكان التيرم الصيـفي مـزيجا من التدريب العملي الفـني والعسـكري ، بالإضافة لما يسمّي بـ "المشـروع" ، ويشبه مناورة عسكرية كاملة .
وكان يومنا الدراسي ، يبدأ في الساعة 05,45 صباحاً ، بطابور اللياقة البدنية ، ثم الإفطار ، ثم المحاضرات ، وينتهي في الساعة الثالثة عصرا ، ثم الغداء ، ثم راحة لمدة ساعتين ، تتلوها فترة السكاشن (الفصول) ، حيث يشرح لنا المعيدون ما درسناه في الصباح بالتفصيل ، ويحلون معنا التمارين عليه ، أو نذاكر نحن ما درسناه بشكل انفرادي ، ثم ينتهي البرنامج بالنوم ، ثم نبدأ يوماً جديد في صباح اليوم التالي .
وكنا نصل للتخصص في الكلية علي مرحلتين ، بعد السنة الأولى ، حيث تكون الدراسة فيها عامة لجميع الطلبة ، وتشمل المواد الهندسـية الأساسية ، كالـرياضيات ، والهندسة الفـراغية بما يماثل السنة الإعـدادية في كـليات الهندسة العادية ، مضافاً إليها المواد المساعدة ، كاللغتين الإنجليزية ، والعبرية ، والتعليم العسكري الأولي ، وضرب النار ( الرماية ) .
أما أولى مراحل التخصص ، وهي التخصص العام ، في السنة الثانية ، فكنا ندرس خلالها الميكانيكا ، والكهرباء ، والكيمياء .
وأما التخـصص الدقـيق ، فكان يستغرق السنتين الثالثة والرابعة وندرس فيهما ميكانيكا الصواريـخ ، والمركبات ، والمدرعات والطائرات ، والأسـلحة والذخـيـرة ، بالإضافة للتخصصات الأخري من كيمياء ، وكهرباء ، ثم نقوم بعمل مشروع التخرج خلال السنة الخامسة . وكان اختيار كل طالب للسلاح الذي يرغب العمل فيه ، يتم بكتابته لترتيب رغباته عند نهاية السنة الثانية ، ثم يتم تنسيق ذلك عن طريق إدارة الكلية ، للتوفيق بين رغبات الطلبة ، في ضوء مجموع درجات كل منهم في المقررات الدراسية المختلفة ، وبين احتياجات القوات المسلحة من كل تخـصص . وكان مجـموع درجاتي في السـنة الثانية يؤهلني لأن أختار أسلحة يقـبل عليها ويتمناها الكثير من الطلاب ولكني سجلت سلاح المدرعات كرغبة أولى ، وفق ما تمنيت منذ دخولي الكلية .
وكان أول شئ تعلمته في تخصص المدرعات ، هو أن أعرف عدوي جيداُ ، بتشكيله ، وأنواع أسلحته ، وإمكانيات كل سلاح . ولم يكن مطلوباً منا ، مقارنة سلاحنا بسلاح العدو ، وكنا نحن نثق بسلاحنا ، ولا يفكـر أحد منا في مقارنته بسـلاح العـدو وكانت هذه الثقة مهمة جدا لنا .
وكنظرة عامة لسلاح المدرعات ، فإنه ينقسم إلى نوعين من المعدات ، أولاهما الدبابة ، وهي كما نعلم ، مركبة قادرة علي عبور أنواع مختلفة من الأراضي والموانع ، وعليها دروع لحمايتها من طلقات الرصاص ، والشظايا المعادية ، وتحمل مدفعاً كبيراً فوقها ، وذخيرة للمدفع بداخلها ، وقد تحمل رشاشاً للمساعدة . ومهمتها الأساسية هي اقتحام وتدمير خطوط العدو وتشكيلاته ، دون أن يستطيع العدو تدميرها .
وكان للدبابة سابقاً رهـبة عظمى في المعارك ، قـبل أن تنعكس الأمور ، فتصبح الرهبة لجنود المشاة ، المسلحين بصواريخ م/ د ( مضاد للدبابات ) المحمولة ، بسبب حـرب أكتوبر .
أما ثانية معدات سلاح المدرعات فهي المدرعّة ، وهي مركبة عليها دروع أيضاً ، ولكنها مخصصة لحمل جنود المشاة بأسلحتهم داخلها لحمايتهم ، وتوصيلهم إلى مكان عملياتهم في أمان وسـرعة ، بدلا من استهلاك وقتهم ، وتعريضهم للخسائر في حال تحركهم إلى منطقة عملياتهم ، سيراً علي الأقدام .
ومن المدرعات - كما نعلم - ما يمكنه السير في البر فقط ، ومنها ما هو برمائي ، يمكنه التحرك عبر الموانع المائية أيضاً . وتختلف المدرعة البرمائية عن البرية ، في أنها مصممة بشكل يتيح لها الطفو على سطح الماء ، ومزودة بطبّات ( سدادات ) خاصة ، لإغلاق الفتحات التي يمكن أن تتسرب منها المياه إلى داخل المركبة ، أو إلى أي من أجزائها الميكانيكية . وذلك حتى يمكن للمركبة أن تظل تعمل أثناء طفوها . كما أنها تكون مزودة بتوربينات ( مراوح ) خلفية ، وصندوق تروس خاص ، يتيح نقل عزم المحرك من العجل إلى التوربينات والعكس ، بحيث يمكن للمركبة أن تتحرك في الماء بواسطة التوربينات ، ثم تعاود السير على البر مجدداً عند خروجها إليه مرة أخرى .
وكانت الدبابة السوفيتية "تي 62" من أقوي الدبابات لدينا ( وصلت الدبابة تي 62 لمصر أول مرة عام 1972 بعدد 200 دبابة فقط ) ، وكان مداها ( مسافة الرمي ) أكبر من مدي الدبابتين "سنتوريون" الإنجليزية ، و"إم 60" الأمريكية لدى العدو ، وكانت دبابات العدو تمتاز بمرونة حركة أكبر ، وبتوافر مخزون تعبوي واستراتيجي لديهم من الدبابات والذخائر ، أكبر كثيراً مما لدينا مما يتيح لهم تعويض الخسائر والمستهلكات أسرع منا ، وكانت دباباتنا الشرقية أقوى تحملاً ، وأقل أعطالاً من دباباتهم الغربية .
- ·وفاة الرئيس جمال عبد الناصر :
كـنا قبل تخرجنا ، وقـبل وفاة الرئيس جمال عبد الناصر رحمه الله ، نسمع عن غارات تقوم بها طائرات العدو على الأهداف المدنية لدينا ، مثل حادثة بحر البقر ، وغيرها من الأعمال الإجرامية ، وكان هذا بالطبع يسبب لنا حالة نفسية سيئة وكنا جميعا نتحرق شوقاً للثأر ، والانتقام من عدونا . وعندما توفي جمال عبد الناصر ، رحمه الله ، تم جمع طلبة الكلية في أرض الطابور ، ليخبرونا بالخبر الأليم ، فأصابنا الذهول من هول الفجيعة ، لأن الرئيس جمال عبد الناصر كان رمـزاً كبيراً لا نرى على الساحة شخصاً آخر في قوته ، يمكن أن يحل محله . وحين خرجت الجنازة ، بعد ذلك بيومين ، كانت مهمتنا السير وراء الجثمان كحرس شـرف ، وكانت القوات الخاصة في حالة استنفار تام ، لحماية المنشآت الهامة في البلد ، وذلك لكي تخرج الجنازة بشكل منظم ، ولكنّ الشـوارع امتلأت بجموع الناس منذ الصباح ، ولم يكن أحد ليستطيع السيطرة علي الموقف ، الذي كان فوق تخيلنا ، وفوق حسبان أي واحد من البشر . وتحولت الجنازة إلي مظاهرة شعـبية مهيبة ، أغلقت الشوارع والميادين طوال مدة الجنازة ، وسادت حالة الحزن العميق مصر خصوصاً والأمة العـربية كلها عموماً ، رأيناها نحـن في أعـين المصريين ورآها العالم بأجمعه ، في أعين الشعوب التي كان عبدالناصر ملهما لها ، على طريق التحرر من الاستعمار .
- ·تولي الرئيس السادات الحكم :
لم يكن الشعب يثق بشكل كافٍ في الرئيس السادات ، وبدأنا ونحن في الكلية ، نسمع عن المظاهرات التي يقوم بها طلبة الجامعات المدنية ، ويطالبون فيها السادات بإعلان الحرب على العدو ، للأخذ بالثأر ، وكان الوضع مختلفاً تماماً لدى طلبة الكليات العسكرية ، فكنا نشعر بالجدية التامة ، وأنه ليس ثمة فائدة حقيقية من تلك المظاهرات .
ومع اسـتمرار وتنوع ، التدريبات التي نؤديها ، كنا نزداد شعوراً بالثقة في أنفسنا ، وأن يوم الثأر بات قريباً ، وأننا سننتصر بإذن الله ، ولن تستمر النكسة طويلاً .
ومع اسـتمرار وتنوع ، التدريبات التي نؤديها ، كنا نزداد شعوراً بالثقة في أنفسنا ، وأن يوم الثأر بات قريباً ، وأننا سننتصر بإذن الله ، ولن تستمر النكسة طويلاً .
- ·الانضمام لصفوف القوات المسلحة :
وحين تخرجنا في عام 1972م ، حضر الفريق / محمد أحمد صادق القائد العام للقوات المسلحة وقتها حفل التخرج ، وبدأنا التدريب العملي لفترة قصيرة في إحدى ورش القوات المسلحة بعد التخرج مباشرة . ثم تم توزيعنا علي التشكيلات ، وجاء توزيعي بالكتيبة 603 ضمن اللواء 130 برمائي ، الذي تم تكوينه حديثا وقتها لمهمة العبور البرمائي ، وكان تمركزه بمحافظة الإسكندرية ، في منطقة العامرية . وبدأنا التدريبات ، وكان التدريب ذا شقين ، أحدهما برّي ، عبارة عن ضرب نار في الصحراء ، والآخر بحري في منطقة "أبوقير" عند جزء من الساحل يسمى البحر الميت ، حيث يحوط مياهه حاجز أمواج طبيعي ، فيسهل فيه التدريب الأولي على العبور بالمركبات البرمائية ، وتتشابه طبوغرافيته مع طبوغرافية خليج السويس .
ولم تكن المدرعات البرمائية ، سلاحاً جديداً علينا ، كمدرعة في حد ذاتها ، ولكن كان الجديد في الأمر ، أنها ستسير بنا في البحر أيضاً بالإضافة للبر ، ولم تكن الأمور واضحة لنا وقتها ، وما هي المهمة التي يمكن أن نكلّف بها ، وكنا نتدرب علي السير بالمدرعة في الماء ، مسافة خمسة كيلومترات ، نقوم خلالها باختبار درجة الحرارة ، والتأكد من إحكام الطبّات ، ومراقبة هل يوجد تسـريب مياه أم لا . ثم زادت المسافة تدريجياً مع استمرارنا في التدريب ، حتي وصلت إلى 20 كيلومتراً في التمرين الواحد .
ومع تكرار التدرب ، بدأت مشاكل الاستخدام الفعلي في الظهور ، من تسربات للمياه ، وارتفاع في درجة حرارة المحرك وغيرها . وكانت المشكلة الأكبر هي تلف المحرك ، وتوقفه كلياً عن العمل ، إذا تسربت المياه إلي فلتر الهواء ، فليس حينئذ من حل ، إلا تغيير المحرك بالكامل ، لعدم إمكانية إصلاحه بعدها . وظهرت بناءً على ذلك براعة المقاتل المصري في عمل تعديلات على المعدّة ، لتجنب المشاكل التي ظهرت خلال التدريب ، ومن ذلك أننا قمنا بتثبيت فتحات طرد المياه خارج المدرعة ، لأنها كانت دائما ما تسقط أثناء الحركة ، كما قمنا بعمل فتحات تهوية لحاجز الأمواج . وكان الهدف من ذلك ، أن تتمكن المدرعة من السير لمسافات طويلة دون أعطال .
وكان من المشاكل التي واجهتنا أيضا ، أثناء التدريب الليلي أن المدرعات كانت تخرج في قُول ( طابور ) واحد ، وترجع مرة أخري في نفس التشكيل ، فكانت عند الالتفاف للعودة في الظلام تصطدم ببعـضها البعض ، لأن الإنارة الخارجية عـليها خافـتة وعند نزولها في الماء ليلاً ، لا تكون مرئية بسهـولة . فقمنا بإضافة كشافين خارجيين لكل مدرعة ، أحدهما أحمر ، والثاني أخضر . بالتعاون مع القوات البحرية ، لإمكان تمييز اتجاه حركة المدرعة .
وكانت بعض القطع البحرية ، في بداية تدريبنا ، تخرج معنا للمساعدة عند الحاجة ، ولكن بعد مرور أقل من سنة ، صرنا نخرج في التشكيل ، ونسير مسافات تصل إلى 25 و 30 كيلومتراً بمفردنا ، دون قطع بحرية مساندة .
ولم تكن المدرعات البرمائية ، سلاحاً جديداً علينا ، كمدرعة في حد ذاتها ، ولكن كان الجديد في الأمر ، أنها ستسير بنا في البحر أيضاً بالإضافة للبر ، ولم تكن الأمور واضحة لنا وقتها ، وما هي المهمة التي يمكن أن نكلّف بها ، وكنا نتدرب علي السير بالمدرعة في الماء ، مسافة خمسة كيلومترات ، نقوم خلالها باختبار درجة الحرارة ، والتأكد من إحكام الطبّات ، ومراقبة هل يوجد تسـريب مياه أم لا . ثم زادت المسافة تدريجياً مع استمرارنا في التدريب ، حتي وصلت إلى 20 كيلومتراً في التمرين الواحد .
ومع تكرار التدرب ، بدأت مشاكل الاستخدام الفعلي في الظهور ، من تسربات للمياه ، وارتفاع في درجة حرارة المحرك وغيرها . وكانت المشكلة الأكبر هي تلف المحرك ، وتوقفه كلياً عن العمل ، إذا تسربت المياه إلي فلتر الهواء ، فليس حينئذ من حل ، إلا تغيير المحرك بالكامل ، لعدم إمكانية إصلاحه بعدها . وظهرت بناءً على ذلك براعة المقاتل المصري في عمل تعديلات على المعدّة ، لتجنب المشاكل التي ظهرت خلال التدريب ، ومن ذلك أننا قمنا بتثبيت فتحات طرد المياه خارج المدرعة ، لأنها كانت دائما ما تسقط أثناء الحركة ، كما قمنا بعمل فتحات تهوية لحاجز الأمواج . وكان الهدف من ذلك ، أن تتمكن المدرعة من السير لمسافات طويلة دون أعطال .
وكان من المشاكل التي واجهتنا أيضا ، أثناء التدريب الليلي أن المدرعات كانت تخرج في قُول ( طابور ) واحد ، وترجع مرة أخري في نفس التشكيل ، فكانت عند الالتفاف للعودة في الظلام تصطدم ببعـضها البعض ، لأن الإنارة الخارجية عـليها خافـتة وعند نزولها في الماء ليلاً ، لا تكون مرئية بسهـولة . فقمنا بإضافة كشافين خارجيين لكل مدرعة ، أحدهما أحمر ، والثاني أخضر . بالتعاون مع القوات البحرية ، لإمكان تمييز اتجاه حركة المدرعة .
وكانت بعض القطع البحرية ، في بداية تدريبنا ، تخرج معنا للمساعدة عند الحاجة ، ولكن بعد مرور أقل من سنة ، صرنا نخرج في التشكيل ، ونسير مسافات تصل إلى 25 و 30 كيلومتراً بمفردنا ، دون قطع بحرية مساندة .
- ·آخر مناورة قبل حرب أكتوبر :
وفي عام 1973م ، قبل الحرب بفترة بسيطة ، قمنا بآخر مناورة لنا ، وكانت التعـليمات أن ننتقـل أولاً إلي منطقة سيدي كـرير حيث البحر المفتوح ، وسط الأمواج ، لنتدرب في ظروف مشابهة لأصعب ظروف يمكن أن تواجهنا في المعركة .
وكانت خطة التدريب أننا سنقوم بالسير في الماء مبتعدين عن الشاطئ لمسافة خمسة كيلومترات داخل البحر ، ثم نسير بموازاة الشاطئ إلي أن نصل لمنطقة الحمَّام ، ثم نقتحم الشاطئ ، ونهجم علي منطقة فيها مضيق جبلي ، كمحاكاة لمهمة عبور برمائي حقيقية وكانت المناورة ليلية ، حضرها الفريق / سعـد الدين الشاذلي رئيس الأركان وقـتئذ ، وكان المـوج في هـذا اليوم عالياً جدا ولكننا أنجزنا المهمة علي أكمل وجه ، بحمد الله .
ومن ضمن صعوبات مناورة ، أنه كان من الضروري عبور جميع المدرعات معاً في وقت واحد ، ضمن المدة المحددة ، فإذا تجاوزنا المدة المحددة ، فشل التمرين .
وقد حدثت خسائر طفيفة في المعدات نتيجة للموج العالي ، فغرقت اثنتان من المركبات وكنت أنا في آخر مدرعة خلف القول ، ومعي فريق الصيانة المكون من عدد ثلاثة ميكانيكي ، وعدد واحد كهربائي ، وذلك للتدخل بإصلاح أي عطل قد يحدث لأيٍ من المركبات ، خلال سيرها في الماء . وقد حدثت بعض الأعطال فعلاً خلال التمرين مثل توقف توربينات إحدى العربات عن العمل ، وتوقف محركات بعض العربات أيضا ، فكنت أقوم مع رجالي بإصلاح العطل فوراً ، وسحب ما لا يمكن إصلاحه . وقد قمت خلال ذلك بسحب إحدى المدرعتين اللتين غرقتا بسبب دخول المياه للمحرك ولم أستطيع سحب الثانية في حينه ، وقمنا بسحبها تالياً بعد ذلك .
وتم خلال التمرين وصول باقي المدرعات إلي الشاطئ للهجوم علي المضيق واحتلاله . وكنا أثناء التمرين نقوم بإبلاغ كل خطوة ننفذها إلي قائد اللواء ، أولاً بأول ، حتي تـمت المهـمة بنجاح تحت مراقبة القيادة .
وبعد المناورة بثلاثة أيام ، قامت القيادة بعقد اجتماع لتحليل المناورة ، بحضور الفريق الشاذلي ، الذي أشاد بنجاحها ، وقال لنا إنها نجحت تماما ، وإن نسبة خسارة حوالي 4% ، هي نسبة ضئيلة جدا لا تذكر ، ونجاح كبير لنا ، وأننا سنكون أول مسمار يُدَّق في نعش العدو بإذن الله ، وأسجل هنا أن قائد اللواء وقتهاالعقيد محمود شعيب كان يجتمع بنا بصفة دورية ، ويستمع إلي مشاكلنا ، ويسعى في حلها ، وكان مثل ذلك يحدث في صفوف الجيش بأكمله.
كان حجم التدريب الواحد الذي نقوم به ، خلال سنين تدريبنا قبل الحرب ، لا يمكن وصفه ، وكنا نتدرب ليلاً ونهاراً ، وحتي في نهار رمضان كنا نتدرب ، ونحن صائمين ، وكان وقت الإفطار هو وقت الراحة الوحيد بالنسبة لنا ، وبعد الإفطار ، كنا نواصل التدريب ليلاً . وأصبح كل جندي يعرف كل شئ عن مهمته في المعركة ، من كثرة التدريبات التي نقوم بها ، وتغـلبنا خلالها أولاً بأول ، علي جميع المشكلات التي كانت تظهر لنا ، حتي حفظ كل ضابط وجندي ، جميع المشاكل المحتملة ، وحلولها عن ظهر قلب . وعندما قمنا بالعبور فعلياً في الحـرب ، كان العبور بالنسبة لنا ، مجرد نزهة ، مقارنة بالتدريبات القاسية التي كنا نقوم بها قبل الحرب .
وكانت خطة التدريب أننا سنقوم بالسير في الماء مبتعدين عن الشاطئ لمسافة خمسة كيلومترات داخل البحر ، ثم نسير بموازاة الشاطئ إلي أن نصل لمنطقة الحمَّام ، ثم نقتحم الشاطئ ، ونهجم علي منطقة فيها مضيق جبلي ، كمحاكاة لمهمة عبور برمائي حقيقية وكانت المناورة ليلية ، حضرها الفريق / سعـد الدين الشاذلي رئيس الأركان وقـتئذ ، وكان المـوج في هـذا اليوم عالياً جدا ولكننا أنجزنا المهمة علي أكمل وجه ، بحمد الله .
ومن ضمن صعوبات مناورة ، أنه كان من الضروري عبور جميع المدرعات معاً في وقت واحد ، ضمن المدة المحددة ، فإذا تجاوزنا المدة المحددة ، فشل التمرين .
وقد حدثت خسائر طفيفة في المعدات نتيجة للموج العالي ، فغرقت اثنتان من المركبات وكنت أنا في آخر مدرعة خلف القول ، ومعي فريق الصيانة المكون من عدد ثلاثة ميكانيكي ، وعدد واحد كهربائي ، وذلك للتدخل بإصلاح أي عطل قد يحدث لأيٍ من المركبات ، خلال سيرها في الماء . وقد حدثت بعض الأعطال فعلاً خلال التمرين مثل توقف توربينات إحدى العربات عن العمل ، وتوقف محركات بعض العربات أيضا ، فكنت أقوم مع رجالي بإصلاح العطل فوراً ، وسحب ما لا يمكن إصلاحه . وقد قمت خلال ذلك بسحب إحدى المدرعتين اللتين غرقتا بسبب دخول المياه للمحرك ولم أستطيع سحب الثانية في حينه ، وقمنا بسحبها تالياً بعد ذلك .
وتم خلال التمرين وصول باقي المدرعات إلي الشاطئ للهجوم علي المضيق واحتلاله . وكنا أثناء التمرين نقوم بإبلاغ كل خطوة ننفذها إلي قائد اللواء ، أولاً بأول ، حتي تـمت المهـمة بنجاح تحت مراقبة القيادة .
وبعد المناورة بثلاثة أيام ، قامت القيادة بعقد اجتماع لتحليل المناورة ، بحضور الفريق الشاذلي ، الذي أشاد بنجاحها ، وقال لنا إنها نجحت تماما ، وإن نسبة خسارة حوالي 4% ، هي نسبة ضئيلة جدا لا تذكر ، ونجاح كبير لنا ، وأننا سنكون أول مسمار يُدَّق في نعش العدو بإذن الله ، وأسجل هنا أن قائد اللواء وقتهاالعقيد محمود شعيب كان يجتمع بنا بصفة دورية ، ويستمع إلي مشاكلنا ، ويسعى في حلها ، وكان مثل ذلك يحدث في صفوف الجيش بأكمله.
كان حجم التدريب الواحد الذي نقوم به ، خلال سنين تدريبنا قبل الحرب ، لا يمكن وصفه ، وكنا نتدرب ليلاً ونهاراً ، وحتي في نهار رمضان كنا نتدرب ، ونحن صائمين ، وكان وقت الإفطار هو وقت الراحة الوحيد بالنسبة لنا ، وبعد الإفطار ، كنا نواصل التدريب ليلاً . وأصبح كل جندي يعرف كل شئ عن مهمته في المعركة ، من كثرة التدريبات التي نقوم بها ، وتغـلبنا خلالها أولاً بأول ، علي جميع المشكلات التي كانت تظهر لنا ، حتي حفظ كل ضابط وجندي ، جميع المشاكل المحتملة ، وحلولها عن ظهر قلب . وعندما قمنا بالعبور فعلياً في الحـرب ، كان العبور بالنسبة لنا ، مجرد نزهة ، مقارنة بالتدريبات القاسية التي كنا نقوم بها قبل الحرب .
- ·كيف تم تحويل رجال الصاعقة الي مشاة بالكتيبة 603 :
كانت الكتيبة 603 بالأساس كتيبة صاعقة صغيرة ، وحين تم ضمّنا إليها ، وجدت أن معظم مقاتليها من الإسكندرية ، وفيهم أصدقاء وجيران لي من أيام الدراسة . فكان معظمنا يعرفون بعضهم البعض ، وتوطدت العلاقة بيننا بسرعة ، عندما تم ضمنا إليهم . ورأينا كيف يتعاملون مع بعضهم البعض ، وأن لديهم نوع من الاعـتزاز بالنفـس ، والارتباط القـوي معاً في نـفـس الوقت فلا تجد إلا المحبة ، والتعاون الشديد ، بين الضابط والجندي وحتي عند النوم ، ينامون بنفس الأماكن ضباطاً وجنود ، وأثناء الطعام أيضاً ، لا تجد فرقاً بينهم ، بل يأكل الضباط والجنود معا من نفس الطبق . وكانوا عندما نعـود إلى الإسكـندرية في الإجازات ، أراهم ينزلون من بيوتهم في الأمسيات ، ليجلسوا سوياً علي أحد المقاهي القريبة . ولازلنا إلي الآن نتقابل بين الحين والآخر لنجلس سوياً ، ونستعيد الذكريات ، ولا يفارق بعضنا البعض .
ولما كانت طبيعة رجال الصاعقة أنهم يعملون دائما في مجموعات صغيرة - لسهـولة التخفي ، وسـرعة الحـركة - واعتمادهم علي الكمائن ، بينما طبيعة عمل المشاة تستلزم العمل معاً في أعداد كبيرة ، وكانت مهمة الكتيبة واحدة ، ولابد من العـمل الجـماعي لتحقيقها ، فقد قامت القيادة بمجهود كبير جداًلتحويل رجال الصاعقة إلي رجال مشاة ، حتى يمكن الاستفادة من مزايا الصاعقة والمشاة معاً ، وكنا نتدرب ليلاً ونهاراً على دور كتيبتنا ، وهو دور "المفرزة" بمعني أنها كتيبة رائدة لمن خلفها ، قوية وسريعة الحركة ، عالية التسليح ، تسبق القوات الرئيسية في الهجوم علي الهدف ، لتشتيت انتباه ، واسـتنزاف العدو ، وتلقي الصدمة الأولى منه ، توفـيرا لطاقة القوة الرئيسية للهجـوم ، القادمة خلفها . وكانت تدريباتنا - كما أسلفت - هي عبور مانع مائي ، ثم التقدم نحو العدو والهجوم عليه ، واحتلال مضيق جبلي على الشاطيء ، على أن يتم تجميع ذلك ، وتنسيقه مع مهام باقي الكتائب ، لتكوين مشروع حرب اللواء بالكامل .
ولما كانت طبيعة رجال الصاعقة أنهم يعملون دائما في مجموعات صغيرة - لسهـولة التخفي ، وسـرعة الحـركة - واعتمادهم علي الكمائن ، بينما طبيعة عمل المشاة تستلزم العمل معاً في أعداد كبيرة ، وكانت مهمة الكتيبة واحدة ، ولابد من العـمل الجـماعي لتحقيقها ، فقد قامت القيادة بمجهود كبير جداًلتحويل رجال الصاعقة إلي رجال مشاة ، حتى يمكن الاستفادة من مزايا الصاعقة والمشاة معاً ، وكنا نتدرب ليلاً ونهاراً على دور كتيبتنا ، وهو دور "المفرزة" بمعني أنها كتيبة رائدة لمن خلفها ، قوية وسريعة الحركة ، عالية التسليح ، تسبق القوات الرئيسية في الهجوم علي الهدف ، لتشتيت انتباه ، واسـتنزاف العدو ، وتلقي الصدمة الأولى منه ، توفـيرا لطاقة القوة الرئيسية للهجـوم ، القادمة خلفها . وكانت تدريباتنا - كما أسلفت - هي عبور مانع مائي ، ثم التقدم نحو العدو والهجوم عليه ، واحتلال مضيق جبلي على الشاطيء ، على أن يتم تجميع ذلك ، وتنسيقه مع مهام باقي الكتائب ، لتكوين مشروع حرب اللواء بالكامل .
- ·مشروع الحرب :
وبعد استكمال مستويات التدريب ، النظري ، ثم العملي الجاف (بدون ذخيرة) ، ثم العملي بالذخيرة ، وإتمام ذلك لكل سـرية ، ثم لكل فـصيلة على حدة ، يتم الإعـداد لمشروع الحرب الذي هو تدريب شامل على المهمة القتالية للكتيبة ككل ، ويتلو ذلك مشروع حرب بمستوى أعلى ، ينفذه اللواء بأكمله ، وذلك لاكتشاف الأخطاء التي قد تظهر ، وتحليلها ، لاستنباط الحلول المتاحة ، للتغلب عليها أثناء تنفيذ المهمة الفعلية ، أو تلافي حدوثها من الأساس .
ولما كنت مسـؤولاً عن سلامة مركـبات الكتيبة وصيانتها فكان من ضمن مهامي في مشروع الحرب ، مراجعة "جداول التحميل" ، وهي قوائم تشمل رقم كل عربة ، واسم سائقها ، واسم كل مقاتل فيها ، والسلاح الذي معه ، واسم قائد المجموعة التي يتبعها ، والأسلحة المقرر تحميلها في كل عربة - كمدافع الهاون وغيرها - بحيث لا تتجاوز حمولة العربة من الأفراد ، والأسلحة والذخائر ، والتعيين ( مستلزمات الإعاشة ) طناً واحداً ، وهو الحمل الأقصى للمدرعة "توباز" سوفيتية الصنع ، التي كانت بحوزتنا وقتها ، خلال سيرها في الماء .
وكان التعيين المسلّم لكل مقاتل ، عبارة عن علبة مقاس 20×20 سنتيمتراً ، تحوي أطعمة محفوظة إنتاج شركة "قها" أو شركة "إدفينا" ، ويُحتسب وزنها ضمن الأوزان الإجمالية في العربة وكانت محتوياتها كالآتي : علبة فول مدمس ، وعلبة أرز مطبوخ وعلبة خضار مطبوخ باللحم ، وعلبة مربى صغيرة ، وباكو (مغلّف) بسكويت ، وعدد اثنين كيس ، بكل منهما تلقيمة ( خلطة ) شاي وسكر ، تكفي لعمل كوب شاي واحد ، وعدد اثنين قرص وقود جاف لتسخين الطعام ، وعمل الشاي ، ومشط أعواد ثقاب ويسمى ذلك "تعيين قتال" ، على أساس أن يكفي المقاتل ليوم واحد . ويتسلم كل مقاتل علبتين منه ، وعلبة ثالثة تحوي نفس الأصناف ، ولكن بعـبوات أصغـر حجـما ، تُسمي "تعيين طوارئ" ، وبذلك يستطيع المقاتل البقاء بدون إمدادات إعاشة لثلاثة أيام .
ولما كنت مسـؤولاً عن سلامة مركـبات الكتيبة وصيانتها فكان من ضمن مهامي في مشروع الحرب ، مراجعة "جداول التحميل" ، وهي قوائم تشمل رقم كل عربة ، واسم سائقها ، واسم كل مقاتل فيها ، والسلاح الذي معه ، واسم قائد المجموعة التي يتبعها ، والأسلحة المقرر تحميلها في كل عربة - كمدافع الهاون وغيرها - بحيث لا تتجاوز حمولة العربة من الأفراد ، والأسلحة والذخائر ، والتعيين ( مستلزمات الإعاشة ) طناً واحداً ، وهو الحمل الأقصى للمدرعة "توباز" سوفيتية الصنع ، التي كانت بحوزتنا وقتها ، خلال سيرها في الماء .
وكان التعيين المسلّم لكل مقاتل ، عبارة عن علبة مقاس 20×20 سنتيمتراً ، تحوي أطعمة محفوظة إنتاج شركة "قها" أو شركة "إدفينا" ، ويُحتسب وزنها ضمن الأوزان الإجمالية في العربة وكانت محتوياتها كالآتي : علبة فول مدمس ، وعلبة أرز مطبوخ وعلبة خضار مطبوخ باللحم ، وعلبة مربى صغيرة ، وباكو (مغلّف) بسكويت ، وعدد اثنين كيس ، بكل منهما تلقيمة ( خلطة ) شاي وسكر ، تكفي لعمل كوب شاي واحد ، وعدد اثنين قرص وقود جاف لتسخين الطعام ، وعمل الشاي ، ومشط أعواد ثقاب ويسمى ذلك "تعيين قتال" ، على أساس أن يكفي المقاتل ليوم واحد . ويتسلم كل مقاتل علبتين منه ، وعلبة ثالثة تحوي نفس الأصناف ، ولكن بعـبوات أصغـر حجـما ، تُسمي "تعيين طوارئ" ، وبذلك يستطيع المقاتل البقاء بدون إمدادات إعاشة لثلاثة أيام .
- ·إرهاصات الحرب :
جاءتنا الأوامر قبل الحرب بأيام ، أن نتحرك إلي السويس بواسطة القطارات ، وكان موقع تمركز الكتيبة الجديد ، مجهزاً هندسياً قبل أن نصل إلى هناك . وفي يوم 26 سبتمبر1973 م ليلاً وصل بنا القطار إلى السويس ، قريباً من ميناء الأدبية ، فقمنا بإنزال المدرعات بعدد 50 مدرعة ، ثم تحركنا باتجاه القاعدة البحرية هناك ، حيث قمنا بإخفاء المدرعات داخل الحفر المجهزة لها سابقا بجوار القاعدة ، وتغطيتها جيدا بأقمشة التمويه ، في حذر ، وبدون صوت ، حتي لا يشعر بنا أحد .
وفي الصباح توجهنا إلي قائد القاعدة ، الذي سألنا كيف وصلتم إلي هنا دون أن يشعر بكم أحد ؟ وكان هذا في حد ذاته نجاحاً كبيراً لنا في السيطرة علي تحركاتنا ، والوصول والتمركز دون أن يشعر بنا أفراد حراسة القاعدة . ثم تلقينا التعليمات بالقيام باستطلاع المنطقة ، وبدء التدريبات ، وفق خطة مختلفة هذه المرة ، وهي أننا سوف نقوم بالعبور من نقطة تمركزنا على أول خليج السويس ، والتقدم بسرعة للوصول إلي ممر متلا واحتلاله فبدأنا باستطلاع المكان ، والنزول إلي المياه ، للتعرف على طبيعة وطبوغرافية المنطقة .
ولكن في يوم 02أكتوبر ، جاءتنا أوامر جديدة بالتحرك من الأدبية إلي جنوب البحيرات المرة ، ومن هنا بدأنا نشعر أن في الأمر شئ ، وأن تلك التدريبات ليست عادية ، ولكن لم يتأكد لنا أي شئ . وبدأ الجيش يرسل إلينا مهمات جديدة من المخازن ، لم يرسل لنا مثلها من قبل ، مثل أفرولات ( حُلة عسكرية ) مضادة للحريق ، وأسلحة جديدة نعرف أنها من ضمن الاحتياطي الاستراتيجي ، فتأكدنا أن هناك عملية كبيرة على الأبواب ، ولكن لم يكن لدينا أي شئ مؤكد .
وعند وصولنا إلي منطقة تمركزنا الجديدة ، جنوب البحيرات بدأنا في استطلاع الأرض التي سوف نعبر منها ، فوجدناها سبخة ورخوة جداَ ، تغرز فيها المدرعات وتتعطل عن السير ولابد من تقويتها ، فأرسلت إلينا القيادة شكائر ( أكياس قماشية ) من الـرمل ، وطرحـوها أرضاً لتسير عليها الدبابات ، ولم يكن ذلك حلاً كاملاً ، لأن تلك الشكائر لم تتحمل سير المجنزرات عليها ، لفترة تكفي مرور الكتيبة كلها .
وفي يوم 04 أكتوبر ، بدأت أتأكد بأننا سوف نحارب ، بناء على الشواهد الحاصلة أمامي . وفي مساء نفس اليوم ، جاءنا رئيس استطلاع اللواء ، ومعه خرائط ، وأخبرنا أن مهمة الكتيبة 602 هي اقتحام ممر الجدي ، بينما مهمة كتيبتنا 603 هي اقتحام ممر مِتلا ، وممر صغير آخر بجواره ، وأن الكتيبتين ستسيران في البداية علي نفس المحور ، وتواصل الكتيبة 602 تقدمها علي طول الطريق عبر القناة إلى الجدي ، بينما تتجه كتيبتنا إلي اليمين جنوباً للبحيرات ثم عبر البحيرات إلى مِتلا ، وأن علينا العبور قبل عبور قواتنا الرئيسية ، للوصول إلى الممرات واحتلالها قبل الساعة السادسة مساء ، وذلك لمنع وصول مدرعات العدو المتمركز في تمادة وغيرها إلي الممرات واختراقها ، لمهاجمة الجيش الثالث من جانبه الأيسر . وحيث أن مدرعات العدو وفقا لمواقعها الحالية ، يمكنها استكمال جاهزيتها للتحرك ، والوصول إلى الممرات خلال أربع ساعات من بدء طائراتنا في الهجوم على أهدافها في سيناء ، فيلزمنا الوصول إلى هناك قبلهم ، لعمل التجهيزات الهندسية ، وترتيب الكمائن اللازمة ، منعاً لهم من اختراق الممرات ، والتقدم للقيام بهجوم مضاد على الجيش الثالث من جانبه الأيسر ، أثناء تقدمه نحو الشرق . وأخبرنا أنه سيتم إسقاط جوي لقوات صاعقة مصرية عند الممرات - قبل وصولنا إلى هناك - لنفس الغرض ، وأننا سنلحق بهم لدعمهم واستكمال العمل ، لكن الرجل لم يخبرنا عن الموعد المقرر للتنفيذ ، وكنا نحن جميعا علي أتم استعداد وتشوق للتحرك وقتما يصدر الأمر لتنفيذ المهمة .
وفي مساء اليوم التالي 05 أكتوبر ، قال لي قائد الكتيبة إننا سوف نقوم بتنفيذ عمليات غداً ، وأمرني أن أقوم بتجهيز المركبات ، فسألته عن موعد هذه العمليات ، فقال لي : "لا أعلم" فقمت مع رجالي بالمرور والفحص والاطمئنان علي عناصر الحالة الفنية للمركبات بالكامل من وقود ، ومياه ، وزيت .. إلخ .
وفي يوم الحسم ، يوم النصر العظيم ، يوم 06 أكتوبر ، قام قائد اللواء بجمعنا في الساعة العاشرة صباحاً ، وأخبرنا أن موعد العبور هو سعت ( الساعة )1405 ، أي الثانية وخمسة دقائق ظهرا . فقام قادة السرايا بجمع القوات ، وأعطونا التعليمات أن نأخذ المهمات الضرورية فقط ، وأن أي مهمات غير ضرورية نتركها عند التحرك ، ستأتي الشئون المعنوية لجمعها وإخلاء الموقع بالكامل ، وذلك لتخفيف أوزان المدرعات ما أمكن أثناء التحرك في الماء .
وبدأنا بإخراج المدرعات من الحفر في الساعة الثانية عشرة ظهرا ، حتى يمكننا الوصول للشاطئ ، والنزول إلى المياه في الموعد المحدد . وأثناء عبورنا للبحيرات المرة رأينا الطيران المصري يحلق فوقنا متجها إلى الشرق . وعند اقترابنا من الوصول إلى الضفة الشرقية ، رأينا طائراتنا عائدة من الضربة الجوية ، وكأنها ترفرف بأجنحتها من فرحتها بالنصر ، فتعالت صيحاتنا بالتكبير : "الله أكبر .. الله أكبر" . وعندما رأينا سحب الدخان ترتفع من بعض أهداف العدو القريبة منا نتيجة لقصفها ، زاد ذلك من عزيمتنا وإصرارنا ، ورفع روحنا المعنوية لأقصى درجة .
وبينما عبرت مدرعاتنا - التي كانت في المقدمة - إلي الضفة الشرقية ، لم يتمكن بعض من كانوا في الخلف ، من النزول إلى الماء أصلاً - لعدم تحمل شكائر الرمل مرور المزيد من الجنازير عليها - وبدأت المدرعات تغرز في الأرض الرخوة ، دون أن نستطيع انتشالها ، فصدر الأمر بانتقال الباقين لنقطة العبور المرادفة جهة اليمين ، على شاطئ البحيرات .
وكانت التعليمات أنه إذا حدث أي عطل في أي مدرعة - أثناء العبور - يستلزم إصلاحه وقتاً أكثر من خمس دقائق ، فعليّ ورجالي أن نقوم بنسفها فورا ، لئلا تقع لاحقا في يد العدو ، وكان معي في مدرعتي المتفجرات اللازمة لذلك . ولكن نتيجة لتأخر عبور الكتيبة بكامل قوتها ، بسبب تعدد حالات الغـرز ، سواء على الشاطئ أثناء النزول ، أو في جزر رملية مغمورة تحت سطح المياه أثناء العبور ، وكذلك الأعطال الناتجة عن تسرب المياه للأجزاء الميكانيكية ، فقد تقدم قائد الكتيبة بما عبر معه من مدرعاتنا جهة الشرق ، دون انتظار لعبور الباقين ، على أمل أن يسبق العدو إلى الممر حسب الخطة ، بينما كنت أنا ورجالي منهمكين في إصلاح المدرعات التي تعطلت ، وكان بعض الأعطال بسيطاً لم يأخذ وقتاً ، وبعضها استلزم وقتاً أطول ، فلما بدأت المسافة بين مقدمة الكتيبة ومؤخرتها في الازدياد ، اضطر قائد الكتيبة إلى مواصلة السير ببطء ، ليستجمع قواته المتأخرة خلفه ، فوصلت مدرعات العدو للممرات قبلنا ، وتجاوزتها باتجاه الجانب الأيسر للجيش الثالث كما أسلفت ، فقابلونا مطلقين نيرانهم تجاهنا على بعد 25 كيلومترا شرق القناة . فقام قائد الكتيبة بإنزال ما معه من رجال ، لاتخاذ وتجهبز مواقعهم على الأرض ، وبدء الاشتباك وأمرني في اللاسلكي ، بسرعة جمع باقي الكتيبة واللحاق به فورا ، فعبرت بمدرعتي ساحباً ورائي إحدى المدرعات ، ومُخرجاً إياها للضفة الشرقية ، تاركاً خمس أو ست مدرعات أخرى عاجزة عن التحرك ، دون أن نجد الوقت لإصلاحها أو نسفها ، ثم لحقت بنا أطقمها في اليوم التالي ، بعد عبورهم بمركبات أخري بديلة .
ولما كانت مدرعة التـوباز لا تصلـح نداً للدبابة بأي حـال حيث تدريعها ، وقدرات مدفعها ، أقل بكـثير ، مما لدى الدبـابة كما أن رجالنا المجهزين بصواريخ م / د ( مضاد للدبابات ) من الميلوتيكا والفهد ، لم يجدوا الفرصة الكافية لتجهيز مواقعهم على الأرض بشكل كامل ، يمكنهم من التعامل مع العدو بكامل الكفاءة كما أن العدو كان مستميتاً في محاولة المرور ، فقد وصلت خسائر الكتيبة في المعركة غير المتكافئة مع لواء مدرع كامل للعدو إلى 50 % ، واستوعبت كتيبتنا الصدمة الأولى ، وفق المهمة المطلوبة منها ، ونجحنا في حماية الجيش الثالث ، ومنع الصهاينة من التقدم نحوه ، إلى ما بعد الساعة الثانية عشرة ليلاً . وتمكن الجيش من تركيز مجهوده لإتمام العبور ، وإنشاء رؤوس الكباري ، والاقتحام والتقدم جهة الشرق ، وقمنا بعد ذلك بالانضمام إليهم ، مستمرين في مهمتنا بحماية جانبهم الأيسر من أي استهداف .
وفي يوم 07 أكتوبر ، بدأ هجوم طائرات العدو علينا ، وكان لابد من رجوعي إلي القناة مرة أخري ، لانتشال المدرعات السبعة الغارزة في الرمال ، فوصلت مع رجالي هناك ، وبدأت في سحبها من المياه لإصلاحها وإعادة تشغيلها ، بينما بدأ طيران العدو ودباباته في ذلك اليوم ، بالهجوم العنيف مجدداً على كتيبتنا خارج نطاق عمل دفاعاتنا الجوية غرب القناة ، ولكننا استطعنا في ذلك اليوم تدمير دباباتين للعدو ، واستطعنا في اليوم التالي 08 أكتوبر إسقاط ثلاث طائرات لهم ، بصواريخ م / ط ( مضادة للطائرات ) طراز سام 07 المحمولة على الكتف . وانضم إلينا في ذلك اليوم ضابطان ممن تبقوا من الكتيبة 602 .
وقد لاحظنا أثناء الحرب ، عدم وجود قوات راجلة للعدو علي الإطلاق في أرض المعركة ، بل كانوا باستمرار متحصنين داخل الدشم أو داخل الدبابات ، مصداقاً لقوله تعالى * لَا يُقَاتِلُونَكم جَمِيعَاً إِلَّا فِي قُرَىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ * صدق الله العظيم .
ورغم الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها كتيبتنا ، وكذلك الكتيبة 602 بشكل أكبر ، إلا أننا كنّا نضحك ، ونشعر بالفرح والانتصار ، لإسقاطنا ثلاثة طائرات للعدو ، وتدمير دباباتين لهم وتكبيدنا للعدو كثيراً من القتلى في صفوفهم ، فضلاً عن نجاح قواتنا في العبور ، واكتساح خط بارليف - أقوى خط تحصينات في التاريخ - وكانت روحنا المعنوية في السماء ، رغم الألم الذي يعتصر قلوبنا تجاه استشهاد أصدقاء وزملاء أعزاء لنا ، لكن تغلبنا علي كل ذلك ، لأن تلك هي الحرب ، وحتى نستطيع مواصلة دورنا في حماية جيشنا الثالث من أي هجمات جانبية .
وفي يوم 08 أكتوبر جاءتنا الأوامر من قائد الجيش الثالث باقتحام نقطة كبريت الحصينة في خط بارليف - وكانت لم تسقط بعد - فتوجه قائد الكتيبة إلي قيادة الجيش الثالث لمدارسة المهمة وأرسلت إلينا القيادة دعماً ، عبارة عن سرية دبابات تي 62 ثقيلة من اللواء 25 ، وسرية صواريخ م / د "نمر" ، وهي عبارة عن قواذف وصواريخ فهد ، محملة على عربات جيب ، بالإضافة لدعم القصف المدفعي من كتيبة مدفعية على الضفة الغربية للقناة مقابل كبريت . وبدأ قائد الكتيبة بتوزيع المهام والأسلحة على السرايا ، ووضع خطة التحرك ، وإرسال دوريات استطلاع في الطريق الذي سنسلكه ، لمعرفة تواجد العدو على الطريق من عدمه ، ثم تحركنا فجر يوم 09 أكتوبر باتجاه كبريت ، وتعرضنا لغارة جوية من العدو في الطريق ، ولكن اتخذنا الإجراءات الوقائية اللازمة ، فلم نصب بأي خسائر بحمد الله .
وحين وصلنا إلي كبريت ، رأينا العلم الاسرائيلي يرفرف فوق تبة عالية من أرضنا السليبة ، وبدأت مدفعيتنا في الضفة الغربية للقناة - بالتنسيق معنا – في قصف الموقع ، بينما نقوم نحن بحصاره بالدبابات ، في تشكيل "مروحة" . وبدأنا نحن الضرب المباشر بالصواريخ ومدافع الهاون ، وبدأت قواتنا تتقدم من جهتي الجنوب والشرق ، تاركـين جهة الشـمال مفتـوحة حسب خطة العقيد / إبراهيم عبد التواب رحمة الله عليه ، أن نترك لهم ذلك الجانب ليهربوا منه ، ونسـتولي نحن علي النقـطة لأننا إذا حاصرنا الموقع بالكامل ، ستكون الخسـائر عـندنا كبيرة ولكن إذا تركنا لهم منفذاً للهروب ، سنستولي علي الموقع بأقل مجهود وأقل خسائر . وعندما اقتربنا إلى مسافة قليلة منهم بدأوا فعلاً بالانسحاب عبر الجهة المفتوحة ، ورأيناهم يهربون في رعب من تشكيل الكتيبة ، الذي كان رهيبا مفزعا لمن يراه ، بما فيه من دبابات وصواريخ ، بالإضافة للأسلحة الفردية ، بينما كان لدى العدو في الموقع ، سرية دبابات ، وسرية مشاه .
وتم اقتحام الموقع ، وسقطت كل نقاطه الحصينة ، مع أنهم لو كانوا صمدوا ، ما كنا نستطيع دخول الموقع عليهم ، ولكن قذف الله في قلوبهم الرعب ، وأسرعوا هاربين بحمد الله .
وعند دخولنا الموقع ، وجدنا فيه نقطة تابعة للأمم المتحدة بها اثنين من الضباط وصف ضابط ، قمنا بالقبض عليهم ، وتم ترحيلهم لاحقاً ، عن طريق اثنين من مندوبي المخابرات الحربية ووجدنا طعام الصهاينة في الحصن لا يزال ساخنا ، وشراب النسكافيه مسكوباً على المكاتب ، من وقع المفاجأة ، ووجدناهم قد تركوا كل شئ ، حتي سياراتهم الجيب ، وملابسهم ، ومتعلقاتهم الشخصية . واستغرقت العملية من بدء التحرك حتى الاقتحام حوالي 06 ساعات ، إلى أن تم رفع العلم المصري صاحب الأرض بدلاً من العلم الصهيوني
وفي الصباح توجهنا إلي قائد القاعدة ، الذي سألنا كيف وصلتم إلي هنا دون أن يشعر بكم أحد ؟ وكان هذا في حد ذاته نجاحاً كبيراً لنا في السيطرة علي تحركاتنا ، والوصول والتمركز دون أن يشعر بنا أفراد حراسة القاعدة . ثم تلقينا التعليمات بالقيام باستطلاع المنطقة ، وبدء التدريبات ، وفق خطة مختلفة هذه المرة ، وهي أننا سوف نقوم بالعبور من نقطة تمركزنا على أول خليج السويس ، والتقدم بسرعة للوصول إلي ممر متلا واحتلاله فبدأنا باستطلاع المكان ، والنزول إلي المياه ، للتعرف على طبيعة وطبوغرافية المنطقة .
ولكن في يوم 02أكتوبر ، جاءتنا أوامر جديدة بالتحرك من الأدبية إلي جنوب البحيرات المرة ، ومن هنا بدأنا نشعر أن في الأمر شئ ، وأن تلك التدريبات ليست عادية ، ولكن لم يتأكد لنا أي شئ . وبدأ الجيش يرسل إلينا مهمات جديدة من المخازن ، لم يرسل لنا مثلها من قبل ، مثل أفرولات ( حُلة عسكرية ) مضادة للحريق ، وأسلحة جديدة نعرف أنها من ضمن الاحتياطي الاستراتيجي ، فتأكدنا أن هناك عملية كبيرة على الأبواب ، ولكن لم يكن لدينا أي شئ مؤكد .
وعند وصولنا إلي منطقة تمركزنا الجديدة ، جنوب البحيرات بدأنا في استطلاع الأرض التي سوف نعبر منها ، فوجدناها سبخة ورخوة جداَ ، تغرز فيها المدرعات وتتعطل عن السير ولابد من تقويتها ، فأرسلت إلينا القيادة شكائر ( أكياس قماشية ) من الـرمل ، وطرحـوها أرضاً لتسير عليها الدبابات ، ولم يكن ذلك حلاً كاملاً ، لأن تلك الشكائر لم تتحمل سير المجنزرات عليها ، لفترة تكفي مرور الكتيبة كلها .
وفي يوم 04 أكتوبر ، بدأت أتأكد بأننا سوف نحارب ، بناء على الشواهد الحاصلة أمامي . وفي مساء نفس اليوم ، جاءنا رئيس استطلاع اللواء ، ومعه خرائط ، وأخبرنا أن مهمة الكتيبة 602 هي اقتحام ممر الجدي ، بينما مهمة كتيبتنا 603 هي اقتحام ممر مِتلا ، وممر صغير آخر بجواره ، وأن الكتيبتين ستسيران في البداية علي نفس المحور ، وتواصل الكتيبة 602 تقدمها علي طول الطريق عبر القناة إلى الجدي ، بينما تتجه كتيبتنا إلي اليمين جنوباً للبحيرات ثم عبر البحيرات إلى مِتلا ، وأن علينا العبور قبل عبور قواتنا الرئيسية ، للوصول إلى الممرات واحتلالها قبل الساعة السادسة مساء ، وذلك لمنع وصول مدرعات العدو المتمركز في تمادة وغيرها إلي الممرات واختراقها ، لمهاجمة الجيش الثالث من جانبه الأيسر . وحيث أن مدرعات العدو وفقا لمواقعها الحالية ، يمكنها استكمال جاهزيتها للتحرك ، والوصول إلى الممرات خلال أربع ساعات من بدء طائراتنا في الهجوم على أهدافها في سيناء ، فيلزمنا الوصول إلى هناك قبلهم ، لعمل التجهيزات الهندسية ، وترتيب الكمائن اللازمة ، منعاً لهم من اختراق الممرات ، والتقدم للقيام بهجوم مضاد على الجيش الثالث من جانبه الأيسر ، أثناء تقدمه نحو الشرق . وأخبرنا أنه سيتم إسقاط جوي لقوات صاعقة مصرية عند الممرات - قبل وصولنا إلى هناك - لنفس الغرض ، وأننا سنلحق بهم لدعمهم واستكمال العمل ، لكن الرجل لم يخبرنا عن الموعد المقرر للتنفيذ ، وكنا نحن جميعا علي أتم استعداد وتشوق للتحرك وقتما يصدر الأمر لتنفيذ المهمة .
وفي مساء اليوم التالي 05 أكتوبر ، قال لي قائد الكتيبة إننا سوف نقوم بتنفيذ عمليات غداً ، وأمرني أن أقوم بتجهيز المركبات ، فسألته عن موعد هذه العمليات ، فقال لي : "لا أعلم" فقمت مع رجالي بالمرور والفحص والاطمئنان علي عناصر الحالة الفنية للمركبات بالكامل من وقود ، ومياه ، وزيت .. إلخ .
وفي يوم الحسم ، يوم النصر العظيم ، يوم 06 أكتوبر ، قام قائد اللواء بجمعنا في الساعة العاشرة صباحاً ، وأخبرنا أن موعد العبور هو سعت ( الساعة )1405 ، أي الثانية وخمسة دقائق ظهرا . فقام قادة السرايا بجمع القوات ، وأعطونا التعليمات أن نأخذ المهمات الضرورية فقط ، وأن أي مهمات غير ضرورية نتركها عند التحرك ، ستأتي الشئون المعنوية لجمعها وإخلاء الموقع بالكامل ، وذلك لتخفيف أوزان المدرعات ما أمكن أثناء التحرك في الماء .
وبدأنا بإخراج المدرعات من الحفر في الساعة الثانية عشرة ظهرا ، حتى يمكننا الوصول للشاطئ ، والنزول إلى المياه في الموعد المحدد . وأثناء عبورنا للبحيرات المرة رأينا الطيران المصري يحلق فوقنا متجها إلى الشرق . وعند اقترابنا من الوصول إلى الضفة الشرقية ، رأينا طائراتنا عائدة من الضربة الجوية ، وكأنها ترفرف بأجنحتها من فرحتها بالنصر ، فتعالت صيحاتنا بالتكبير : "الله أكبر .. الله أكبر" . وعندما رأينا سحب الدخان ترتفع من بعض أهداف العدو القريبة منا نتيجة لقصفها ، زاد ذلك من عزيمتنا وإصرارنا ، ورفع روحنا المعنوية لأقصى درجة .
وبينما عبرت مدرعاتنا - التي كانت في المقدمة - إلي الضفة الشرقية ، لم يتمكن بعض من كانوا في الخلف ، من النزول إلى الماء أصلاً - لعدم تحمل شكائر الرمل مرور المزيد من الجنازير عليها - وبدأت المدرعات تغرز في الأرض الرخوة ، دون أن نستطيع انتشالها ، فصدر الأمر بانتقال الباقين لنقطة العبور المرادفة جهة اليمين ، على شاطئ البحيرات .
وكانت التعليمات أنه إذا حدث أي عطل في أي مدرعة - أثناء العبور - يستلزم إصلاحه وقتاً أكثر من خمس دقائق ، فعليّ ورجالي أن نقوم بنسفها فورا ، لئلا تقع لاحقا في يد العدو ، وكان معي في مدرعتي المتفجرات اللازمة لذلك . ولكن نتيجة لتأخر عبور الكتيبة بكامل قوتها ، بسبب تعدد حالات الغـرز ، سواء على الشاطئ أثناء النزول ، أو في جزر رملية مغمورة تحت سطح المياه أثناء العبور ، وكذلك الأعطال الناتجة عن تسرب المياه للأجزاء الميكانيكية ، فقد تقدم قائد الكتيبة بما عبر معه من مدرعاتنا جهة الشرق ، دون انتظار لعبور الباقين ، على أمل أن يسبق العدو إلى الممر حسب الخطة ، بينما كنت أنا ورجالي منهمكين في إصلاح المدرعات التي تعطلت ، وكان بعض الأعطال بسيطاً لم يأخذ وقتاً ، وبعضها استلزم وقتاً أطول ، فلما بدأت المسافة بين مقدمة الكتيبة ومؤخرتها في الازدياد ، اضطر قائد الكتيبة إلى مواصلة السير ببطء ، ليستجمع قواته المتأخرة خلفه ، فوصلت مدرعات العدو للممرات قبلنا ، وتجاوزتها باتجاه الجانب الأيسر للجيش الثالث كما أسلفت ، فقابلونا مطلقين نيرانهم تجاهنا على بعد 25 كيلومترا شرق القناة . فقام قائد الكتيبة بإنزال ما معه من رجال ، لاتخاذ وتجهبز مواقعهم على الأرض ، وبدء الاشتباك وأمرني في اللاسلكي ، بسرعة جمع باقي الكتيبة واللحاق به فورا ، فعبرت بمدرعتي ساحباً ورائي إحدى المدرعات ، ومُخرجاً إياها للضفة الشرقية ، تاركاً خمس أو ست مدرعات أخرى عاجزة عن التحرك ، دون أن نجد الوقت لإصلاحها أو نسفها ، ثم لحقت بنا أطقمها في اليوم التالي ، بعد عبورهم بمركبات أخري بديلة .
ولما كانت مدرعة التـوباز لا تصلـح نداً للدبابة بأي حـال حيث تدريعها ، وقدرات مدفعها ، أقل بكـثير ، مما لدى الدبـابة كما أن رجالنا المجهزين بصواريخ م / د ( مضاد للدبابات ) من الميلوتيكا والفهد ، لم يجدوا الفرصة الكافية لتجهيز مواقعهم على الأرض بشكل كامل ، يمكنهم من التعامل مع العدو بكامل الكفاءة كما أن العدو كان مستميتاً في محاولة المرور ، فقد وصلت خسائر الكتيبة في المعركة غير المتكافئة مع لواء مدرع كامل للعدو إلى 50 % ، واستوعبت كتيبتنا الصدمة الأولى ، وفق المهمة المطلوبة منها ، ونجحنا في حماية الجيش الثالث ، ومنع الصهاينة من التقدم نحوه ، إلى ما بعد الساعة الثانية عشرة ليلاً . وتمكن الجيش من تركيز مجهوده لإتمام العبور ، وإنشاء رؤوس الكباري ، والاقتحام والتقدم جهة الشرق ، وقمنا بعد ذلك بالانضمام إليهم ، مستمرين في مهمتنا بحماية جانبهم الأيسر من أي استهداف .
وفي يوم 07 أكتوبر ، بدأ هجوم طائرات العدو علينا ، وكان لابد من رجوعي إلي القناة مرة أخري ، لانتشال المدرعات السبعة الغارزة في الرمال ، فوصلت مع رجالي هناك ، وبدأت في سحبها من المياه لإصلاحها وإعادة تشغيلها ، بينما بدأ طيران العدو ودباباته في ذلك اليوم ، بالهجوم العنيف مجدداً على كتيبتنا خارج نطاق عمل دفاعاتنا الجوية غرب القناة ، ولكننا استطعنا في ذلك اليوم تدمير دباباتين للعدو ، واستطعنا في اليوم التالي 08 أكتوبر إسقاط ثلاث طائرات لهم ، بصواريخ م / ط ( مضادة للطائرات ) طراز سام 07 المحمولة على الكتف . وانضم إلينا في ذلك اليوم ضابطان ممن تبقوا من الكتيبة 602 .
وقد لاحظنا أثناء الحرب ، عدم وجود قوات راجلة للعدو علي الإطلاق في أرض المعركة ، بل كانوا باستمرار متحصنين داخل الدشم أو داخل الدبابات ، مصداقاً لقوله تعالى * لَا يُقَاتِلُونَكم جَمِيعَاً إِلَّا فِي قُرَىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ * صدق الله العظيم .
ورغم الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها كتيبتنا ، وكذلك الكتيبة 602 بشكل أكبر ، إلا أننا كنّا نضحك ، ونشعر بالفرح والانتصار ، لإسقاطنا ثلاثة طائرات للعدو ، وتدمير دباباتين لهم وتكبيدنا للعدو كثيراً من القتلى في صفوفهم ، فضلاً عن نجاح قواتنا في العبور ، واكتساح خط بارليف - أقوى خط تحصينات في التاريخ - وكانت روحنا المعنوية في السماء ، رغم الألم الذي يعتصر قلوبنا تجاه استشهاد أصدقاء وزملاء أعزاء لنا ، لكن تغلبنا علي كل ذلك ، لأن تلك هي الحرب ، وحتى نستطيع مواصلة دورنا في حماية جيشنا الثالث من أي هجمات جانبية .
وفي يوم 08 أكتوبر جاءتنا الأوامر من قائد الجيش الثالث باقتحام نقطة كبريت الحصينة في خط بارليف - وكانت لم تسقط بعد - فتوجه قائد الكتيبة إلي قيادة الجيش الثالث لمدارسة المهمة وأرسلت إلينا القيادة دعماً ، عبارة عن سرية دبابات تي 62 ثقيلة من اللواء 25 ، وسرية صواريخ م / د "نمر" ، وهي عبارة عن قواذف وصواريخ فهد ، محملة على عربات جيب ، بالإضافة لدعم القصف المدفعي من كتيبة مدفعية على الضفة الغربية للقناة مقابل كبريت . وبدأ قائد الكتيبة بتوزيع المهام والأسلحة على السرايا ، ووضع خطة التحرك ، وإرسال دوريات استطلاع في الطريق الذي سنسلكه ، لمعرفة تواجد العدو على الطريق من عدمه ، ثم تحركنا فجر يوم 09 أكتوبر باتجاه كبريت ، وتعرضنا لغارة جوية من العدو في الطريق ، ولكن اتخذنا الإجراءات الوقائية اللازمة ، فلم نصب بأي خسائر بحمد الله .
وحين وصلنا إلي كبريت ، رأينا العلم الاسرائيلي يرفرف فوق تبة عالية من أرضنا السليبة ، وبدأت مدفعيتنا في الضفة الغربية للقناة - بالتنسيق معنا – في قصف الموقع ، بينما نقوم نحن بحصاره بالدبابات ، في تشكيل "مروحة" . وبدأنا نحن الضرب المباشر بالصواريخ ومدافع الهاون ، وبدأت قواتنا تتقدم من جهتي الجنوب والشرق ، تاركـين جهة الشـمال مفتـوحة حسب خطة العقيد / إبراهيم عبد التواب رحمة الله عليه ، أن نترك لهم ذلك الجانب ليهربوا منه ، ونسـتولي نحن علي النقـطة لأننا إذا حاصرنا الموقع بالكامل ، ستكون الخسـائر عـندنا كبيرة ولكن إذا تركنا لهم منفذاً للهروب ، سنستولي علي الموقع بأقل مجهود وأقل خسائر . وعندما اقتربنا إلى مسافة قليلة منهم بدأوا فعلاً بالانسحاب عبر الجهة المفتوحة ، ورأيناهم يهربون في رعب من تشكيل الكتيبة ، الذي كان رهيبا مفزعا لمن يراه ، بما فيه من دبابات وصواريخ ، بالإضافة للأسلحة الفردية ، بينما كان لدى العدو في الموقع ، سرية دبابات ، وسرية مشاه .
وتم اقتحام الموقع ، وسقطت كل نقاطه الحصينة ، مع أنهم لو كانوا صمدوا ، ما كنا نستطيع دخول الموقع عليهم ، ولكن قذف الله في قلوبهم الرعب ، وأسرعوا هاربين بحمد الله .
وعند دخولنا الموقع ، وجدنا فيه نقطة تابعة للأمم المتحدة بها اثنين من الضباط وصف ضابط ، قمنا بالقبض عليهم ، وتم ترحيلهم لاحقاً ، عن طريق اثنين من مندوبي المخابرات الحربية ووجدنا طعام الصهاينة في الحصن لا يزال ساخنا ، وشراب النسكافيه مسكوباً على المكاتب ، من وقع المفاجأة ، ووجدناهم قد تركوا كل شئ ، حتي سياراتهم الجيب ، وملابسهم ، ومتعلقاتهم الشخصية . واستغرقت العملية من بدء التحرك حتى الاقتحام حوالي 06 ساعات ، إلى أن تم رفع العلم المصري صاحب الأرض بدلاً من العلم الصهيوني
- ·وصف الموقع :
كانت مساحة الموقع حوالي 02×01 كيلومتر ، محاطة من جميع الجهات بالألغام ، ويحيط بحقل الألغام ساتر ترابي من جميع الجهات أيضا ، يتـراوح ارتفاعـه بين 04 و 09 أمتـار وداخل حقل الألغام ، أسـوار من الأسـلاك الشـائكة لمنع الدخول وبداخل الساتر الترابي دشم ( غرف محصنة ) مدفونة ، بعضها يخرج من مزاغلها (فتحة صغيرة في الجدار للرماية من خلالها) فوهات الأسلحة ، وبعضها تستخدم كنقاط مراقبة ، وبعضها تستخدم كملاجئ إعاشة للأفراد . وبعد كل هذه النطاقات ، ندخل إلي الحصن الرئيسي ، وهو عبارة عن جبل به غرف مدفونة مبنية بالدبش ( كتل من الحجر الجيري ) الأبيض ، وتتصل مع بعضها بممرات جوانبها مبنية بنفس الطريقة ، وجميعها مغطاة بمكعبات من شـبك الحـديد الملحـوم مقاس 02×02×02 متراً مملوءة بالدبش أيضا ، ومرتبة على طبقات ، ممدود بينها قضبان سـكـك حديدية ، بحيث لا تتأثر النقطة بأي ضربات أو قنابل . وفي المنتصف يوجد فناء مكشوف ، به حفر للدبابات . ويشتمل الحصن الرئيسي على مركز قيادة ، ومستشفي ميداني ، وأجهزة إشارة . وقد قمنا بالاستفادة من أسلحتهم ومعداتهم ، وكل شئ ممكن الاستفادة منه داخل الموقع ، وكانت أول مرة نري هذا الحصن القوي عن قرب ، وبدأنا بتوزيع الأسلحة والذخائر ورجعت قوات الجيش الثالث التي كانت تدعمنا أثناء الاقتحام إلي مواقعها مرة أخري ، وبقيت معنا سرية دبابات واحدة من اللواء 25 مدرع ، وتم توزيع القوات في الاتجاهين الشرقي والشمال الشرقي جهة العدو . وكانت منطقة كبريت منطقة منعزلة فلابد من عمل خطة دفاعية خاصة إلي حد ما ، تجاه هجمات العدو المرتدة المتوقعة ، وبالفعل بدأ قائد الكتيبة بعمل نقط ملاحظة خارجية في المنطقة لاكتشاف العدو ، عند محاولة اقترابه منا فنتعامل معه ، وبدأ بإرسال دوريات استطلاع يومية ، في جميع الاتجاهات لنفس الغرض .
وكان معنا سرية مهندسين عسكريين وسرية مشاة ، فبدأ قائد الكتيبة في فعل شئ جيد جدا في اليوم التالي 10 أكتوبر ، إذ كلفهم بعمل حقل ألغام جديد ، خارج نطاق حقل الألغام الموجود سابقاً حول الموقع - ويسمي حقل ألغام درجة أولي - بمعني أنه غير مُسوَّر ، ولكن توضع له علامة في الارض ، لا تلاحظها قوات العدو ، ولا يتوقعونها ، وذلك لمفاجأتهم إذا حاولوا الاقتراب . وبدأ الرجال بالفعل في وضع الألغام علي بعد 40 متراً خارج سور الألغام الموجود سابقاً بالموقع .
وكان الجيش المصري في ذلك الوقت ، مستمراً في التقدم وتعزيز مواقعه ، ونجح في السيطرة علي جميع المناطق المحررة من يوم 06 إلى يوم 15 أكتوبر سيطرة تامة . ولم يحدث معنا نحن خلال هذه المدة ، إلا اشتباكات بسيطة ، أثناء قيام الرجال بدوريات الاستطلاع اليومية .
وفي أحد الأيام ، رجعت إحدى دورياتنا ، بقيادة الضابط / عبد الرازق شامخ ، لتبلغ بوجود دباباتين للعدو ، قد سقطتا في حقل ألغام ، وتعطلتا عن السير ، علي بعد 15 كيلومتراً من الموقع ، فكلفني قائد الكتيبة أن أذهب برجالي لإصلاحهما والعودة بهما ، فخرجت مع الرجال ، وبدأنا تطهير الألغام ، حتي نتمكن من سحبهما إلي الموقع ، وكانتا من نوع السنتوريون .
وأثناء ذلك رأتنا قوات من العدو كانوا قادمين لأخذ الدبابتين أيضاً فبدأوا بالقصف في اتجاهنا بمدافع الهاون ، وكان هناك ساتر فقمنا بالاختباء خلفه ، وبدانا نشتبك معهم ، ثم اضطررنا لتدمير الدباباتين بالأر بي جي ، لكي لا يحصلوا عليهما .
وكان معنا سرية مهندسين عسكريين وسرية مشاة ، فبدأ قائد الكتيبة في فعل شئ جيد جدا في اليوم التالي 10 أكتوبر ، إذ كلفهم بعمل حقل ألغام جديد ، خارج نطاق حقل الألغام الموجود سابقاً حول الموقع - ويسمي حقل ألغام درجة أولي - بمعني أنه غير مُسوَّر ، ولكن توضع له علامة في الارض ، لا تلاحظها قوات العدو ، ولا يتوقعونها ، وذلك لمفاجأتهم إذا حاولوا الاقتراب . وبدأ الرجال بالفعل في وضع الألغام علي بعد 40 متراً خارج سور الألغام الموجود سابقاً بالموقع .
وكان الجيش المصري في ذلك الوقت ، مستمراً في التقدم وتعزيز مواقعه ، ونجح في السيطرة علي جميع المناطق المحررة من يوم 06 إلى يوم 15 أكتوبر سيطرة تامة . ولم يحدث معنا نحن خلال هذه المدة ، إلا اشتباكات بسيطة ، أثناء قيام الرجال بدوريات الاستطلاع اليومية .
وفي أحد الأيام ، رجعت إحدى دورياتنا ، بقيادة الضابط / عبد الرازق شامخ ، لتبلغ بوجود دباباتين للعدو ، قد سقطتا في حقل ألغام ، وتعطلتا عن السير ، علي بعد 15 كيلومتراً من الموقع ، فكلفني قائد الكتيبة أن أذهب برجالي لإصلاحهما والعودة بهما ، فخرجت مع الرجال ، وبدأنا تطهير الألغام ، حتي نتمكن من سحبهما إلي الموقع ، وكانتا من نوع السنتوريون .
وأثناء ذلك رأتنا قوات من العدو كانوا قادمين لأخذ الدبابتين أيضاً فبدأوا بالقصف في اتجاهنا بمدافع الهاون ، وكان هناك ساتر فقمنا بالاختباء خلفه ، وبدانا نشتبك معهم ، ثم اضطررنا لتدمير الدباباتين بالأر بي جي ، لكي لا يحصلوا عليهما .
- ·تطوير الهجوم :
بدأ تطوير الهجوم يوم 14 أكتوبر ، ولكن بدأت الأمور تتغير بعد أن كان الجيش متقدماً ، ومسيطراً علي جميع المناطق المحررة تقريباً ، بدأ الأمر يأخذ اتجاهاً آخر ، وبعد أن كانت التعليمات قد صدرت إلينا بالتقدم في اتجاه الشرق ، وبدأنا فعلا بالتجهيز للتحرك ، جاءتنا تعليمات جديدة ، بأن نلزم موقعنا ووصلتنا إمدادات من قيادة اللواء ، وجاءت هيئة قيادة اللواء إلي النقطة ، وتم عمل مركز قيادة اللواء عندنا ، وانضم إلينا من تبقي من الكتيبة 602 ، بعد ما تعرضوا لخسائر تقدر بنحو 50 % في الصدمة الأولى أيضا مثلنا ، ثم حضروا إلى كبريت أيضاً وتمركزوا خلفنا ( غرب القناة ) ، في منطقة تسمي مطار كبريت إلى الغرب من موقعنا ، وبيننا وبينهم لسان بحري صغير يمكن عبوره بالبرمائيات ، يسمي لسان كبريت . وكانت مهمتهم الدفاع عن مطار كبريت ، وبدأنا مع وصول الإمدادات بتوسيع دائرة احتلالنا للموقع خارج النقطة الحصينة ، وبدأت الأمور تأخذ وضعاً أفضل ، ولم نكن نعرف ما يحدث بالغرب ، إلا أننا سمعنا عن الثغرة .
يوم 17 أكتوبر ، رأينا اللواء 25 يتقدم أمامنا باتجاه الشمال ، وعرفت من زميلي النقيب / محسن قائد سرية الدبابات لدينا ، أنهم صدر لهم الأمر بتطوير الهجوم ضد تجمعات العدو في اتجاه الشمال ، وأنه منطلق معهم بسريته ، وبالفعل خرج بسريته ولحق بهم . وكان اللواء 25 من أقوي ألوية الجيش لامتلاكه أحدث دبابات تي 62 ، ومدافعه أقوي مما تمتلكه قوات العدو ولكن الإمدادات الأمريكية عبر الجسر الجوي ، كانت قد غيرت الحال ، واجتمع لتدمير اللواء 25 ، تسع ألوية إسرائيلية .
وبدأنا نري الاشتباك من بعيد ، ونري الانفجارات ، ثم رأيناهم بعد الظهر عائدين باتجاهنا ، وخلفهم دبابات العدو تطاردهم بالنيران ، وطلبوا منا في اللاسلكي تأمينهم ، وبدأنا بإخراج المدفعية ، والاشتباك مع العدو ، ونجحنا بتأمين دخول حوالي 27 دبابة ، والعديد من برمائيات اللواء إلي الموقع ، ووصل معهم قادة كتائب اللواء ، واللواء / أحمد حلمي قائد اللواء سيرا على الأقدام ، والذي كان رجلاً محترماً جدا ، لكن حالته المعنوية كانت سيئة ، ورجع النقيب / محسن أيضا ، بسريته كاملة .
وقد قمنا بعد ذلك - في نفس اليوم - بتأمين عودة مدرعاتنا البرمائية إلي الغرب . وفي يوم 19 أكتوبر ، خرج ما تبقى من دبابات اللواء 25 من النقطة في اتجاه الجيش الثالث ، وبقيت سرية النقيب / محسن فقط عندنا .
أما في يوم 18/19 أكتوبر ، فتم الهجوم المتوقع علينا ، وكان قادة الكتائب مازالوا موجودين معنا داخل النقطة ، بدأ العدو قصفاً جديداً بالمدرعات في الصباح ، ثم قامت مدفعيتهم بتوجيه ضربة تمهيدية ، ثم بدأوا بالهجوم المباشر علينا ، فاشتبكنا معهم ، وهم علي بعد 03 كيلو ، وكانت معركة كبيرة ، استخدمنا بها جميع الاسلحة ، وتفاجأ العدو بأننا مازلنا بكامل قوتنا ، وعزيمتنا ، بعد القصف ، ولم يستطيعوا دخول الموقع لحصانته ، وحدثت خسائر من جرحي وقتلى عند الطرفيين .
يوم 17 أكتوبر ، رأينا اللواء 25 يتقدم أمامنا باتجاه الشمال ، وعرفت من زميلي النقيب / محسن قائد سرية الدبابات لدينا ، أنهم صدر لهم الأمر بتطوير الهجوم ضد تجمعات العدو في اتجاه الشمال ، وأنه منطلق معهم بسريته ، وبالفعل خرج بسريته ولحق بهم . وكان اللواء 25 من أقوي ألوية الجيش لامتلاكه أحدث دبابات تي 62 ، ومدافعه أقوي مما تمتلكه قوات العدو ولكن الإمدادات الأمريكية عبر الجسر الجوي ، كانت قد غيرت الحال ، واجتمع لتدمير اللواء 25 ، تسع ألوية إسرائيلية .
وبدأنا نري الاشتباك من بعيد ، ونري الانفجارات ، ثم رأيناهم بعد الظهر عائدين باتجاهنا ، وخلفهم دبابات العدو تطاردهم بالنيران ، وطلبوا منا في اللاسلكي تأمينهم ، وبدأنا بإخراج المدفعية ، والاشتباك مع العدو ، ونجحنا بتأمين دخول حوالي 27 دبابة ، والعديد من برمائيات اللواء إلي الموقع ، ووصل معهم قادة كتائب اللواء ، واللواء / أحمد حلمي قائد اللواء سيرا على الأقدام ، والذي كان رجلاً محترماً جدا ، لكن حالته المعنوية كانت سيئة ، ورجع النقيب / محسن أيضا ، بسريته كاملة .
وقد قمنا بعد ذلك - في نفس اليوم - بتأمين عودة مدرعاتنا البرمائية إلي الغرب . وفي يوم 19 أكتوبر ، خرج ما تبقى من دبابات اللواء 25 من النقطة في اتجاه الجيش الثالث ، وبقيت سرية النقيب / محسن فقط عندنا .
أما في يوم 18/19 أكتوبر ، فتم الهجوم المتوقع علينا ، وكان قادة الكتائب مازالوا موجودين معنا داخل النقطة ، بدأ العدو قصفاً جديداً بالمدرعات في الصباح ، ثم قامت مدفعيتهم بتوجيه ضربة تمهيدية ، ثم بدأوا بالهجوم المباشر علينا ، فاشتبكنا معهم ، وهم علي بعد 03 كيلو ، وكانت معركة كبيرة ، استخدمنا بها جميع الاسلحة ، وتفاجأ العدو بأننا مازلنا بكامل قوتنا ، وعزيمتنا ، بعد القصف ، ولم يستطيعوا دخول الموقع لحصانته ، وحدثت خسائر من جرحي وقتلى عند الطرفيين .
- ·وقف إطلاق النار الأول :
في أول أيام وقف إطلاق النار 22 أكتوبر ، والذي لم يلتزم به العدو ، و في الصباح قبل سريان القرار ، رأينا سيارات للعدو تمر من أمام الموقع ، فبدأنا نطلق النار عليهم ، وقاموا بالرد علينا ، وفرت سيارة مدرعة ، وانقلبت سيارة جيب من قوات العدو ، وأرسلنا مفرزة تجاههم ، وتبين لنا أنهم كانوا خمسة ، قتل منهم اثنان أثناء الاشتباك ، وأسرنا الثلاثة الباقين ، وعرفنا منهم أنهم من اللواء 09 مدرع ، وكان من الواضح أنهم ضباط مدفعية واستطلاع ، يقومون بالاستطلاع علي النقطة تمهيدا للهجوم علينا وتم أخذ بياناتهم وأرقامهم العسكرية وترحيلهم . وبدأ طيران العدو ودباباته في نفس اليوم - بعد العصر تقريبا - بتوجيه القصف والاشتباك معنا ، وقمنا بالتعامل معهم حتى الساعة السادسة موعد وقف إطلاق النار ، و حدثت خسائر في الجانبين .
ومع أول ضوء في صباح اليوم التالي ، رأينا طائرات تحلق فوقنا ظنناها مصرية ، لأن وقف إطلاق النار قد بدأ منذ الليلة الفائتة ، ولكن بينما كنت أشرب مشروبا ساخنا - مما وجدناه في النقطة - إذ سمعت صوت انفجار ، فخرجت مسرعا لأري ماذا يحدث ، فإذا الطائرات إسرائيلية ، عددها 04 طائرات ، وتقوم بقصفنا بالتتابع في تشكيل ساقية دوارة ، مستخدمين صواريخ خارقة للتحصينات ، وقـنابل زنـة 500 ، و1000 ، و2000 رطـل فأحدثوا تدميراً شاملاً للنقطة ، دون أن نستطيع الرد لأن وسائط الدفاع الجوي الخفيفة لدينا ، قد انطمرت في الرمال ، وتحت الأنقاض من شدة القصف ، الذي كان بكميات وتركيز غير طبيعيين ، ولم يتوقف إلا قبل آخر ضوء بحوالي 5 دقائق ، وكنت وقتها داخل النقطة ، ومعنا الضابط / مقلد رئيس العمليات فخرجت لاستكشاف الوضع ، ووجدت دبابة ، لم تصب في القصف ، ومكان القائد فيها شاغر ، فقمت بالدخول مع من كانوا فيها احـتماء من القصف ، ورأيت بجانبي دباباتيـن جهة اليمين في إحداهما النقيب محسـن قائد السـرية ، ومثلهـما علي اليسـار وشاهد النقيب محسن أحد الأبطال يجري من شدة النيران ، فناداه ليدخـل إلي الدبابة معهم ، عـلى أسـاس أنه يحميه من الموت ولكن ماهي إلا لحظات قليلة ، حتى ضُربت الدبابة بحزمة صواريخ دمرتها بمن فيها ، وقال لي الجنود الذين معي : "سوف يأتي الدور علينا" ، فقلت لهم إن كل واحد سينال نصيبه المحتوم وإن العمر واحد مكتوب لا يتغير ، وبحلول الظلام توقف الطيران عن القصف ، وتبين لنا ساعتها استشهاد رئيس العمليات الضابط / مقلد ومعه مجموعة من الضباط والجنود ، فذهبنا إلي قائد الكتيبة / إبراهيم عبد التواب لنري ماذا سنفعل ، وفوجئنا ونحن عنده ، باستئناف قصفنا من مدفعية العدو مرة أخرى ، فقال عبدالتواب ، إن العدو ينوي الهجوم برياً أيضا ، فلنستعد ، ولا يطلق أحدٌ منكم طلقة واحدة إلا بأمر مني ، ولم يكن لدينا أي اتصال بالقيادة لطلب الدعم ، حيث كل أجهزة الاتصال قد دمرت في القصف ، فأرسل قائد الكتيبة إلي الضابط / خولي قائد سرية الهاون ، ليأتي اليه ، وقال له : "عندما أعطي لك الأمر قم بإطلاق طلقة مضيئة لتكون إشارة لجميع القوات لبدء الاشتباك وبدأ الأبطال في إخراج الصواريخ م / د التي انطمرت بالرمال من جراء القصف لتجهيزها ، ونجحوا في تجهـيز 4 مجمـوعات ثم سمعنا صوت مدرعات العدو قادمة من اتجاه الشمال الشرقي وبدأوا يضربون علينا ، ثم يتوقفون عن الضرب ، ثم يقومون بالضرب مرة أخري ثم يتوقفون ، ولم يطلق أحد منا طلقة واحدة حتي اطمأنوا ، وبدأوا يقتربون من الموقع ، حتي وصلوا إلي حقل الألغام الذي أضافه رجالنا بدون سور خارج الحقل الأصلي فتم إطلاق طلقة الهاون المضيئة ، وقام جميع الرجال بإطلاق النيران في اتجاه دبابات العدو بوقت واحد ، وأصاب أول صاروخ ، إحدى دبابات العدو ، فقسمها نصفين كقطعة الزبد بتوفيق من الله ، وما أن رأي الصهاينة ذلك ، حتى استداروا راجعين القهقرى في فزع شديد وبدأوا ، بالتخبط ببعضهم البعض ولم يقدروا علي الصمود ومواجهتنا من شدة الخوف ، واستمرت هذه المعركة نصف ساعة فقط .
وكان العدو قد ظن ، بعد توجيه الضربات طوال اليوم السابق علينا ، أن الموقع قد أصبح خالياً ولكن لم يكن في حسبانهم أنهم سينسحبون منه بضربة موجعة .
ومع أول ضوء في صباح اليوم التالي ، رأينا طائرات تحلق فوقنا ظنناها مصرية ، لأن وقف إطلاق النار قد بدأ منذ الليلة الفائتة ، ولكن بينما كنت أشرب مشروبا ساخنا - مما وجدناه في النقطة - إذ سمعت صوت انفجار ، فخرجت مسرعا لأري ماذا يحدث ، فإذا الطائرات إسرائيلية ، عددها 04 طائرات ، وتقوم بقصفنا بالتتابع في تشكيل ساقية دوارة ، مستخدمين صواريخ خارقة للتحصينات ، وقـنابل زنـة 500 ، و1000 ، و2000 رطـل فأحدثوا تدميراً شاملاً للنقطة ، دون أن نستطيع الرد لأن وسائط الدفاع الجوي الخفيفة لدينا ، قد انطمرت في الرمال ، وتحت الأنقاض من شدة القصف ، الذي كان بكميات وتركيز غير طبيعيين ، ولم يتوقف إلا قبل آخر ضوء بحوالي 5 دقائق ، وكنت وقتها داخل النقطة ، ومعنا الضابط / مقلد رئيس العمليات فخرجت لاستكشاف الوضع ، ووجدت دبابة ، لم تصب في القصف ، ومكان القائد فيها شاغر ، فقمت بالدخول مع من كانوا فيها احـتماء من القصف ، ورأيت بجانبي دباباتيـن جهة اليمين في إحداهما النقيب محسـن قائد السـرية ، ومثلهـما علي اليسـار وشاهد النقيب محسن أحد الأبطال يجري من شدة النيران ، فناداه ليدخـل إلي الدبابة معهم ، عـلى أسـاس أنه يحميه من الموت ولكن ماهي إلا لحظات قليلة ، حتى ضُربت الدبابة بحزمة صواريخ دمرتها بمن فيها ، وقال لي الجنود الذين معي : "سوف يأتي الدور علينا" ، فقلت لهم إن كل واحد سينال نصيبه المحتوم وإن العمر واحد مكتوب لا يتغير ، وبحلول الظلام توقف الطيران عن القصف ، وتبين لنا ساعتها استشهاد رئيس العمليات الضابط / مقلد ومعه مجموعة من الضباط والجنود ، فذهبنا إلي قائد الكتيبة / إبراهيم عبد التواب لنري ماذا سنفعل ، وفوجئنا ونحن عنده ، باستئناف قصفنا من مدفعية العدو مرة أخرى ، فقال عبدالتواب ، إن العدو ينوي الهجوم برياً أيضا ، فلنستعد ، ولا يطلق أحدٌ منكم طلقة واحدة إلا بأمر مني ، ولم يكن لدينا أي اتصال بالقيادة لطلب الدعم ، حيث كل أجهزة الاتصال قد دمرت في القصف ، فأرسل قائد الكتيبة إلي الضابط / خولي قائد سرية الهاون ، ليأتي اليه ، وقال له : "عندما أعطي لك الأمر قم بإطلاق طلقة مضيئة لتكون إشارة لجميع القوات لبدء الاشتباك وبدأ الأبطال في إخراج الصواريخ م / د التي انطمرت بالرمال من جراء القصف لتجهيزها ، ونجحوا في تجهـيز 4 مجمـوعات ثم سمعنا صوت مدرعات العدو قادمة من اتجاه الشمال الشرقي وبدأوا يضربون علينا ، ثم يتوقفون عن الضرب ، ثم يقومون بالضرب مرة أخري ثم يتوقفون ، ولم يطلق أحد منا طلقة واحدة حتي اطمأنوا ، وبدأوا يقتربون من الموقع ، حتي وصلوا إلي حقل الألغام الذي أضافه رجالنا بدون سور خارج الحقل الأصلي فتم إطلاق طلقة الهاون المضيئة ، وقام جميع الرجال بإطلاق النيران في اتجاه دبابات العدو بوقت واحد ، وأصاب أول صاروخ ، إحدى دبابات العدو ، فقسمها نصفين كقطعة الزبد بتوفيق من الله ، وما أن رأي الصهاينة ذلك ، حتى استداروا راجعين القهقرى في فزع شديد وبدأوا ، بالتخبط ببعضهم البعض ولم يقدروا علي الصمود ومواجهتنا من شدة الخوف ، واستمرت هذه المعركة نصف ساعة فقط .
وكان العدو قد ظن ، بعد توجيه الضربات طوال اليوم السابق علينا ، أن الموقع قد أصبح خالياً ولكن لم يكن في حسبانهم أنهم سينسحبون منه بضربة موجعة .
- ·حصار كبريت :
في اليوم التالي ، بدأ العدو مرة أخرى ، بتوجيه ضرباته بنفس الطريقة ، من أول ضوء إلي آخر ضوء بالطيران ، وليلاً بالدبابات ، واشتبكنا معهم وهم علي بعد 02 كيلومتر ونصف ولمدة خمس ساعات ، دون أن يستطيعوا التقدم تجاهنا .
وأعادوا الكرة في اليوم الثالث ، وعند محاولتهم الاقتراب ليلاً بدأوا يستخدمون معنا الميكروفون ، ويقولوا لنا "اطلع يا مصري ولن نؤذيك" !! "إذا استسلمت سوف ترجع إلي بلدك ، لكن لو بقيت هنا ستموت" ، وكلام من ذلك القبيل ، آملين أن يؤثروا علينا للاستلام وترك الموقع ، وبدأوا من ذلك اليوم الحصار علينا وكانت القيادة بسبب انقطاع الإرسال ، قد ظنت أننا انتهينا ، وأن الموقع قد وقع في يد العدو مرة أخري .
وبدأنا نفكر كيف سنتواصل مع الجيش الثالث ، وقد قارب الماء والطعام علي النفاد ، ويوجد بالموقع جرحي حالتهم خطيرة وعددهم كبير ، ولا يوجد إمكانيات لعلاجهم , والطعام قليل جدا فكنا نوزع عبوة البسكويت الواحده علي 04 أفراد ، وعبوة الفول علي 04 أفراد أيضا , وفكرنا بأن تخرج دورية استطلاع لاستكشاف الطريق إلى الجيش الثالث ، وهل يوجد قوات للعدو في هذا الطريق أم لا ، وخرجت أول دورية مكونة من اثنين من الضباط ، هما الضابط / عصام هلال ، والضابط / حمدي نجيب ووصلا إلي منتصف الطريق دون مشاكل ، فعرفا أن الطريق آمن ورجعا مرة أخري إلي الموقع ، وكل الدوريات التي خرجت رجعت الي الموقع مره أخري ، ماعدا مجموعة من جرحانا كنا نقوم بإخلائهم ، وحملناهم في قارب لعبور لسان كبريت ، ولكن تم ضرب القارب من العدو أثناء عبورهم وغرق ، واستشهد عددٌ منهم وأصيب آخرون ، رحم الله جميع شهدائنا .
وفي اليوم التالي ، خرجت نفس الدورية مرة أخري إلي أن وصلا ليلا إلي حدود الفرقة السابعة في مواجهة اللواء الثامن مشاة ضمن الجيش الثالث ، وانتظرا حتى طلع النهار ، وبدءا في تعريف نفسيهما لجنود الجيش الثالث المعينين في الحراسة ، لئلا يرموهما بالرصاص حال ظنوهما من قوات العدو . وعند حدوث التعارف اصطحبهما أفراد الحراسة إلى قائد اللواء ، ثم إلي قائد الجيش الثالث اللواء / أحمد بدوي رحمة الله عليه ، والذي فوجئ بأننا علي قيد الحياة ، وأن نقطة كبريت صامدة لم تُحتل من الصهاينة وفرح فرحا شديدا ، وقال لهما : "أطلبا ما يلزمكم وقولا لي ما المطلوب منا لنفعله لكم؟" ، فقالا له نحتاج إلي أدوية ، ومياه وجهاز لاسلكي ، فأرسل من ساعته مجموعة استطلاع تستكشف طريق عودتهما إلي كبريت ، ثم أرسل معهما طبيباً ، وأدوية وجهاز اللاسلكي ، وفرحنا حين رأيناهم عندنا في الموقع ، أن حققنا الاتصال مع القيادة ، وبدأ الطبيب بتقييم موقف الجرحي وقال إنه لابد من إخلائهم إلى الفرقة السابعة ، وحمل من لا يمكنه السير علي قدميه إلى هناك لتلقي العلاج ، فكان كل أربعة من الرجال يحملون واحداً من المصابين على نقالة ، وبدأوا بالحالات الأكثر حرجاً ، في رحلة طولها 18 كيلومتراً ، ويأتون في عودتهم بجراكن (حاويات محمولة للمياه ، من البلاستيك) المياه ثم بدأت الحمولة تتغير رويداً رويداً ، إلى عبوات طعام ، وأسلحة وكل ما نحتاجه بالموقع . وقام واحد أو اثنان من الزملاء بعد ذلك بتصنيع جهاز تقطير بدائي بالإمكانيات الذاتية .
واستطعنا أن نقـف مرة ثانية ، ونسترجع قـوتنا ، وعـزيمتنا وتبني القائد أحمد بدوي حماية موقع كبريت ، لقيمته الثمينة كمركز قـوة خلال مفاوضات فـصل القوات عند الكيلو 101 ، لمن يكون تحت سيطرته ، ولأنه لو سقط ، سينفتح طريق إمداد إضافي لقوات العدو المحاصرة في الثغرة ، بعيدا عن تمركزات الجيش المصري ، مما يتيح للصهاينة مجال حركة أوسع ، بعكس طريق الدفرسوار ، الذي يمرون عند استعماله ، بين قوات الجيشين الثاني والثالث ، فيتعرضون للضرب ذهاباً وإياباً .
وقدّر الله بعد فترة ، أن يتم اكتشاف دوريات الإخلاء السارية بين موقعنا ، وبين الجيش الثالث يوميا ، والتي تحولت إلى دوريات إمداد ، وبدأ العـدو في استهدافها ، فانقـطع طريق الإمدادات البري ، وبدأت مرحلة جديدة من الصمود ، وتحمل قلة المؤن ، إلى أن تم اكتشاف طريق بحري بديل ، بواسطة مجموعة استطلاع أرسلها القائد اللواء / أحمد بدوي ، رحمة الله عليه . وصار يخرج في الدوريات كل من الضابط / صبري الكاسح ، والضابط / عصام هلال ، بالتبادل مع الضابط سيد حرب ، والضابط / حمدي نجيب .
وعرفنا لاحقاً أن الجانب الاسرائيلي عرض علي القيادة المصرية في مفاوضات الكيلو 101 ، تأمين انسحاب القوات المصرية في كبريت ، بحيث تأتي الأمم المتحدة لاستلامهم بدون سلاح من الموقع ، فرفض الجانب المصري فكرة انسحابنا بدون سلاح فأعاد الجانب الاسرائيلي العرض على أساس أن نصطحب أسلحتنا ، فلم يرد عليهم الجانب المصري ، واتصل اللواء بدوي على المقدم عبد التواب قائد الكتيبة ، وقال له :"إذا لم تكونوا قادرين على المزيد من الصمود ، فيمكن ان نقوم بتأمين انساحبكم وسأله هل لديكم مياه ؟ فقال له عبدالتواب : " يافندم لدينا إمدادات تكفي لمدة شهرين آخرين ، ولن نترك النقطة ، والرجال قادرون علي الصمود " فحياه بدوي ، وقال له كلمات تشجيعية ليشد من أزره ، وتلك هي القيادة في نظري ، أن يطمئن القائد لإمكانات رجاله ، ويتشاور معهم في الأمر ، قبل أن يتخذ القرار الصحيح في النهاية .
وأذكر أن الصهاينة أرادوا خلال الهدنة ، سحب آلياتهم التي كانت أمام الموقع وتم تدميرها أثناء الاشتباكات ، وكانوا حوالي 27 قطعة ، من دبابات ، ومدرعات ، وجاءتنا الأوامر أنه سيأتي إليكم مندوبون من الأمم المتحدة ، مع أفراد العدو إلي الموقع لتنفيذ ذلك ، وجاءت عربة الأمم المتحدة ، ومعها حوالي 20 فردا منهم ، وكنت أنا من قام بالتعامل معهم ، لإجادتي الحديث بالإنجليزية بحكم دراستي . وبدأوا يتكلمون علي أنهم سيقومون بسحب كل القطع من خارج الموقع وداخله ، فقلت لهم إن التعليمات التي عندنا ، أنكم ستسحبون القطع التي خارج الموقع فقط ، ولم يقبلوا بهذا ، ولكن قالوا سنبدأ بسحب القطع الموجودة في الخارج ، وانصرفوا بعد أنجزوها ، ثم وردت إلينا التعليمات بأن ندعهم يأخذون معداتهم التي في داخل الموقع أيضاً ، ولما حضروا في اليوم التالي ، خرجت معهم إلي أن قاموا بسحب كل ما لهم ، وانسحبوا تماما من الموقع .
وأعادوا الكرة في اليوم الثالث ، وعند محاولتهم الاقتراب ليلاً بدأوا يستخدمون معنا الميكروفون ، ويقولوا لنا "اطلع يا مصري ولن نؤذيك" !! "إذا استسلمت سوف ترجع إلي بلدك ، لكن لو بقيت هنا ستموت" ، وكلام من ذلك القبيل ، آملين أن يؤثروا علينا للاستلام وترك الموقع ، وبدأوا من ذلك اليوم الحصار علينا وكانت القيادة بسبب انقطاع الإرسال ، قد ظنت أننا انتهينا ، وأن الموقع قد وقع في يد العدو مرة أخري .
وبدأنا نفكر كيف سنتواصل مع الجيش الثالث ، وقد قارب الماء والطعام علي النفاد ، ويوجد بالموقع جرحي حالتهم خطيرة وعددهم كبير ، ولا يوجد إمكانيات لعلاجهم , والطعام قليل جدا فكنا نوزع عبوة البسكويت الواحده علي 04 أفراد ، وعبوة الفول علي 04 أفراد أيضا , وفكرنا بأن تخرج دورية استطلاع لاستكشاف الطريق إلى الجيش الثالث ، وهل يوجد قوات للعدو في هذا الطريق أم لا ، وخرجت أول دورية مكونة من اثنين من الضباط ، هما الضابط / عصام هلال ، والضابط / حمدي نجيب ووصلا إلي منتصف الطريق دون مشاكل ، فعرفا أن الطريق آمن ورجعا مرة أخري إلي الموقع ، وكل الدوريات التي خرجت رجعت الي الموقع مره أخري ، ماعدا مجموعة من جرحانا كنا نقوم بإخلائهم ، وحملناهم في قارب لعبور لسان كبريت ، ولكن تم ضرب القارب من العدو أثناء عبورهم وغرق ، واستشهد عددٌ منهم وأصيب آخرون ، رحم الله جميع شهدائنا .
وفي اليوم التالي ، خرجت نفس الدورية مرة أخري إلي أن وصلا ليلا إلي حدود الفرقة السابعة في مواجهة اللواء الثامن مشاة ضمن الجيش الثالث ، وانتظرا حتى طلع النهار ، وبدءا في تعريف نفسيهما لجنود الجيش الثالث المعينين في الحراسة ، لئلا يرموهما بالرصاص حال ظنوهما من قوات العدو . وعند حدوث التعارف اصطحبهما أفراد الحراسة إلى قائد اللواء ، ثم إلي قائد الجيش الثالث اللواء / أحمد بدوي رحمة الله عليه ، والذي فوجئ بأننا علي قيد الحياة ، وأن نقطة كبريت صامدة لم تُحتل من الصهاينة وفرح فرحا شديدا ، وقال لهما : "أطلبا ما يلزمكم وقولا لي ما المطلوب منا لنفعله لكم؟" ، فقالا له نحتاج إلي أدوية ، ومياه وجهاز لاسلكي ، فأرسل من ساعته مجموعة استطلاع تستكشف طريق عودتهما إلي كبريت ، ثم أرسل معهما طبيباً ، وأدوية وجهاز اللاسلكي ، وفرحنا حين رأيناهم عندنا في الموقع ، أن حققنا الاتصال مع القيادة ، وبدأ الطبيب بتقييم موقف الجرحي وقال إنه لابد من إخلائهم إلى الفرقة السابعة ، وحمل من لا يمكنه السير علي قدميه إلى هناك لتلقي العلاج ، فكان كل أربعة من الرجال يحملون واحداً من المصابين على نقالة ، وبدأوا بالحالات الأكثر حرجاً ، في رحلة طولها 18 كيلومتراً ، ويأتون في عودتهم بجراكن (حاويات محمولة للمياه ، من البلاستيك) المياه ثم بدأت الحمولة تتغير رويداً رويداً ، إلى عبوات طعام ، وأسلحة وكل ما نحتاجه بالموقع . وقام واحد أو اثنان من الزملاء بعد ذلك بتصنيع جهاز تقطير بدائي بالإمكانيات الذاتية .
واستطعنا أن نقـف مرة ثانية ، ونسترجع قـوتنا ، وعـزيمتنا وتبني القائد أحمد بدوي حماية موقع كبريت ، لقيمته الثمينة كمركز قـوة خلال مفاوضات فـصل القوات عند الكيلو 101 ، لمن يكون تحت سيطرته ، ولأنه لو سقط ، سينفتح طريق إمداد إضافي لقوات العدو المحاصرة في الثغرة ، بعيدا عن تمركزات الجيش المصري ، مما يتيح للصهاينة مجال حركة أوسع ، بعكس طريق الدفرسوار ، الذي يمرون عند استعماله ، بين قوات الجيشين الثاني والثالث ، فيتعرضون للضرب ذهاباً وإياباً .
وقدّر الله بعد فترة ، أن يتم اكتشاف دوريات الإخلاء السارية بين موقعنا ، وبين الجيش الثالث يوميا ، والتي تحولت إلى دوريات إمداد ، وبدأ العـدو في استهدافها ، فانقـطع طريق الإمدادات البري ، وبدأت مرحلة جديدة من الصمود ، وتحمل قلة المؤن ، إلى أن تم اكتشاف طريق بحري بديل ، بواسطة مجموعة استطلاع أرسلها القائد اللواء / أحمد بدوي ، رحمة الله عليه . وصار يخرج في الدوريات كل من الضابط / صبري الكاسح ، والضابط / عصام هلال ، بالتبادل مع الضابط سيد حرب ، والضابط / حمدي نجيب .
وعرفنا لاحقاً أن الجانب الاسرائيلي عرض علي القيادة المصرية في مفاوضات الكيلو 101 ، تأمين انسحاب القوات المصرية في كبريت ، بحيث تأتي الأمم المتحدة لاستلامهم بدون سلاح من الموقع ، فرفض الجانب المصري فكرة انسحابنا بدون سلاح فأعاد الجانب الاسرائيلي العرض على أساس أن نصطحب أسلحتنا ، فلم يرد عليهم الجانب المصري ، واتصل اللواء بدوي على المقدم عبد التواب قائد الكتيبة ، وقال له :"إذا لم تكونوا قادرين على المزيد من الصمود ، فيمكن ان نقوم بتأمين انساحبكم وسأله هل لديكم مياه ؟ فقال له عبدالتواب : " يافندم لدينا إمدادات تكفي لمدة شهرين آخرين ، ولن نترك النقطة ، والرجال قادرون علي الصمود " فحياه بدوي ، وقال له كلمات تشجيعية ليشد من أزره ، وتلك هي القيادة في نظري ، أن يطمئن القائد لإمكانات رجاله ، ويتشاور معهم في الأمر ، قبل أن يتخذ القرار الصحيح في النهاية .
وأذكر أن الصهاينة أرادوا خلال الهدنة ، سحب آلياتهم التي كانت أمام الموقع وتم تدميرها أثناء الاشتباكات ، وكانوا حوالي 27 قطعة ، من دبابات ، ومدرعات ، وجاءتنا الأوامر أنه سيأتي إليكم مندوبون من الأمم المتحدة ، مع أفراد العدو إلي الموقع لتنفيذ ذلك ، وجاءت عربة الأمم المتحدة ، ومعها حوالي 20 فردا منهم ، وكنت أنا من قام بالتعامل معهم ، لإجادتي الحديث بالإنجليزية بحكم دراستي . وبدأوا يتكلمون علي أنهم سيقومون بسحب كل القطع من خارج الموقع وداخله ، فقلت لهم إن التعليمات التي عندنا ، أنكم ستسحبون القطع التي خارج الموقع فقط ، ولم يقبلوا بهذا ، ولكن قالوا سنبدأ بسحب القطع الموجودة في الخارج ، وانصرفوا بعد أنجزوها ، ثم وردت إلينا التعليمات بأن ندعهم يأخذون معداتهم التي في داخل الموقع أيضاً ، ولما حضروا في اليوم التالي ، خرجت معهم إلي أن قاموا بسحب كل ما لهم ، وانسحبوا تماما من الموقع .
- ·استشهاد قائد الكتيبة إبراهيم عبد التواب :
استشهد القائد المقدم / إبراهيم عبد التواب يوم 14 يناير في آخر اشتباك لنا في الحرب ، وكان القائد داخل النقطة ورأي مركبتين للعدو ، إحداهما جيب ، والأخرى مدرعة M 113 تمران من أمام الموقع ، وكانت التعليمات أن نشتبك مع أي عناصر من العدو تظهر في مرمى نيران أسلحتنا ، ولما كانت المدرعة من الطراز المخصص كعربات قيادة لدى العدو ، فقد قام عبد التواب برميها ، فأصابها إصابة مباشرة دمرتها ، ويبدو أنها كانت تحمل رتبة كبيرة لديهم ، فما هي إلا لحظات حتى ظهرت طائرات الهليكوبتر ودبابات العدو ، وهي تهاجم الموقع بشدة ، وبدأنا الاشتباك معهم بالمدفعية والهاون ، وخرج القائد من الملجأ ، ومعه ملازم أول مدفعية ، وكان يوجد مدفع وحيد 120 ملليمتراً يقوم بتوجيه نيران الهاون ، وجاءت دانة خلفهما ، فنادى عليه النقيب / شوقي الجوهري قائد السرية قائلاً : "يافندم دول بيصححوا الضرب عليك ، ادخل جوا" فقال له : "لا مش داخل" فجاءت الضربة التالية داخل الحفرة التي كانا فيها ، واستشهد القائد ومعه ضابط المدفعية سوياً رحمهما الله ، وخيم الحزن علي الموقع ، وأبلغنا القيادة بما حدث فتم تصعيد الخبر ، حتي بلغ القيادة العليا ، الرئيس أنور السادات ، فأرسل إلينا الرئيس رحمه الله ، رسالة برقية فيها : "من القائد الأعلي للقوات المسلحة إلي سعد الدسوقي قائد موقع كبريت" ، وحيا فيها روح الشهيد إبراهيم عبد التواب ، وشهداء كبريت عموماً ، ثم حيّا الأبطال الصامدين في الموقع ، فكانت برقية رائعة لمعنوياتنا جميعا . ولم تطلق طلقة واحدة من أي من الجانبين بعد ذلك الاشتباك ، ولكن كان لابد أن نبقي بالموقع حتي نقوم بتسليمه لقوات مصرية ، فبقينا فيه حوالي عشرة أيام بعد استشهاد القائد / إبراهيم عبد التواب ، حتى تم فتح الطريق ، وجاءت إلينا قافلة كاملة بها جميع أنواع الإمدادات ، وكان علي رأسها ، قائد الفرقة السابعة سابقا والذي رقي خلال الحصار الي قائد الجيش الثالث أحمد بدوي ، وقام بمصافحتنا جميعا ضباطاً وجنودا ، ثم ذهب إلي حيث قمنا بتجميع الشهداء بالموقع ووقف عندهم لفترة ، وظل معنا طوال اليوم وجاءت مع القافلة بعثة من التليفزيون ، فيهم الإعلامي مفيد فوزي ، لتصوير فيلم ، لا يزال موجودا إلى الآن في أرشيف التلفزيون المصري
وبعد أن قمنا بتسليم الموقع إلي الجيش الثالث ، نقلونا إلي مقر قـيادة الجيش الثالث وقـتها ، في منطـقة تسـمي "حبيب الله" وأدخلونا ما يسمى بـ "معسكر تسمين" ، حيث وضعوا لنا الطعام والشراب ، وقدموا لنا الرعاية الطبية مدة أسبوع ، لاستعادة صحتنا وأوزاننا الطبيعية ، بعد أشهر المعارك والحصار الطويلة ثم قمنا بأخذ متعلقاتنا ، وذهبنا إلي محطة السكة الحديد ، وركبنا القطار إلي الإسكندرية ، حيث وجدنا بانتظارنا هنالك ًاستقبالاً شعبيا حافلاً .
( شاهد فيديو الاحتفال بإستقبال أبطال كبريت حصريا علي قناة المجموعة 73مؤرخين
وبعد أن قمنا بتسليم الموقع إلي الجيش الثالث ، نقلونا إلي مقر قـيادة الجيش الثالث وقـتها ، في منطـقة تسـمي "حبيب الله" وأدخلونا ما يسمى بـ "معسكر تسمين" ، حيث وضعوا لنا الطعام والشراب ، وقدموا لنا الرعاية الطبية مدة أسبوع ، لاستعادة صحتنا وأوزاننا الطبيعية ، بعد أشهر المعارك والحصار الطويلة ثم قمنا بأخذ متعلقاتنا ، وذهبنا إلي محطة السكة الحديد ، وركبنا القطار إلي الإسكندرية ، حيث وجدنا بانتظارنا هنالك ًاستقبالاً شعبيا حافلاً .
( شاهد فيديو الاحتفال بإستقبال أبطال كبريت حصريا علي قناة المجموعة 73مؤرخين
- ·كلمة للمجموعة 73 مؤرخين :
وأود بهذه المناسبة أن أتوجه بالشكر للمجموعة 73 مؤرخين علي المجهود الذي يبذلونه لتأريخ بطولات ومعارك حرب أكتوبر وإتاحة الفرصة لتوثيق عمليات نقطة كبريت أثناء حرب رمضان / أكتوبر 1973م، وأدعو جميع الأخوة والزملاء للتعاون مع المجموعة لإبراز البطولات ، والحقائق التي لم تسجل حتي الآن ، لحرب أكتوبر .
* * *
تسجيل : أ / حسن الحلو .
: أ / محمد رشاد .
: أ / مروان الديب .
بمقر المجموعة بحدائق القبة .
* تفريغ : آ / رشا محمود .
* مراجعة لغوية : مهندس / عبدالناصر المرابط .
إشراف : أ / أحمد زايد .
ملحق صور
*******
المصدر المجموعة 73 مؤرخين
* * *
تسجيل : أ / حسن الحلو .
: أ / محمد رشاد .
: أ / مروان الديب .
بمقر المجموعة بحدائق القبة .
* تفريغ : آ / رشا محمود .
* مراجعة لغوية : مهندس / عبدالناصر المرابط .
إشراف : أ / أحمد زايد .
ملحق صور
*******
المصدر المجموعة 73 مؤرخين