مزاجك اليوم
أصدر البرلمان الليبي في الأيام القليلة الماضية، قرارات أثرت بشكل كبير في المشهد الليبي وفي الملف السياسي، كان أبرزها سحب صفة القائد الأعلى للجيش من رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، بعد حالة عدم الاستقرار، وعودة الاشتباكات المسلحة في العاصمة طرابلس ومدن الغرب الليبي.
من جهته، قال عضو مجلس النواب الليبي، عمار الأبلق: "لقد كانت ولادة مجلس النواب خلال حالة من الصراع السياسي والعنف المسلح في 2014، ومقره الدستوري حسب التعديل الدستوري السابع في شرق ليبيا، والتي كانت فعليا خارج سيطرة السلطات في طرابلس، إذ أصبح مجلس النواب طرفا في الصراع، ونتيجة تدخل البعثة الدولية، تم الوصول إلى اتفاق سياسي عُرف باتفاق الصخيرات في 2015".
واعتبر الأبلق في تصريحات لـ"سبوتنيك" أن "عامل الجغرافيا مؤثر بشكل كبير على الحالة السياسية الليبية"، مشيرا إلى أن "لو اتخذ مجلس النواب من العاصمة طرابلس مقرا له لكان أداؤه مختلفا عما هو عليه الآن، وكذلك الحال مع المجلس الأعلى الدولة الشريك في العملية السياسية، لو كان مقره في مدينة بنغازي".
وأكد الأبلق أن "الحالة الليبية هي حالة غير مستقرة، ولو خرجت الأجسام الحالية من المشهد، فسوف تتخذ حالة الصراع أشكالا أخرى، وذلك بسبب التدخلات الدولية والعامل الاقتصادي، بالإضافة للثقافة السائدة، إذ أثرت مجتمعة على الحالة الليبية ما بعد حقبة الرئيس الليبي الراحل، معمر القذافي".
وأوضح أن "مجلس النواب ممثلا في رئاسته، يتخذ قرارات لا تخدم مستقبل الحالة الليبية من حيث الاستقرار والتنمية، وإنما تمثّل المجلس كونه طرف من أطراف الصراع السياسي، إذ اعتبر مجلس النواب حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس غير شرعية، تمارس مهامها كسلطة أمر واقع".
وتابع البرلماني الليبي: "كذلك يعتبر مجلس النواب المجلس الأعلى للدولة خصم سياسي لا يمكن الوثوق به كشريك سياسي، بينما ينظر الطرف الآخر لمجلس النواب بأنه المعرقل للانتقال الديمقراطي في مسألة الاستفتاء على مسودة الدستور، وكذلك كداعم لعملية الكرامة التي يرى هذا الطرف بأنها عملية انقلابية على مسار التحول الديمقراطي".
وقال إن "أزمة فقدان الثقة بين الأطراف الليبية والدعم الدولي لتلك الأطراف، هو ما يعرقل الانتقال السياسي في ليبيا، ولو جزئيا عبر الاحتكام لصناديق الاقتراع، للدخول في مرحلة انتقالية ثالثة قبل الخوض في مسألة الدستور".
واعتبر عضو مجلس النواب الليبي، أن "قرار إلغاء صفقة القائد الأعلى من الرئاسي هي في واقع الحال مخالفة للاتفاق السياسي، وكذلك ليس لها أي أثر على الواقع كون السلطات العسكرية والأمنية المسيطرة في شرق البلاد لا تعترف بالمجلس الرئاسي كقائد أعلى ولا تأتمر بأمره، وكذلك السلطات الموجودة في طرابلس عدا نوع من السلطة الأدبية البروتوكولية في بعض الاجتماعات والترقيات والأذونات، والتي لا يستطيع الرئاسي رفضها أو تعديلها".
وأشار الأبلق إلى أن "الحل السياسي بعيد المنال، وستستمر حالة الصراع إلا في حال إجراء الانتخابات التشريعية فقط، لأن الانتخابات الرئاسية هي المعرقل للمسار الانتخابي، فربما تكون السلطات الجديدة الموحدة أكثر واقعية، وبإمكانها توحيد السلطات المنقسمة واختيار سلطة تنفيذية جديدة، بالإضافة لتهدئة الحالة الأمنية المتوترة والضغط من أجل توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية وحل التشكيلات غير المنضبطةط، حسب قوله.
فيما اعتبر المحلل السياسي، محمد امطيريد، أن "قرار مجلس النواب مهم جدا، خاصة بعد الادعاءات الأخيرة التي تمّت في العاصمة طرابلس، خاصة بعد بروز الصراعات بين المجلس الأعلى للدولة وأطرافه، والمجلس الرئاسي الذين يتآمرون على اختصاصات مجلس النواب استنادا على اتفاق جنيف، وما قام به مجلس النواب خطوة استباقية جريئة جداً لم تحدث من قبل".
خطوة استباقية
وأضاف امطيريد في تصريح خاص لـ"سبوتنيك": "هي ضربة للمجلس الرئاسي الذي يسعى لخلق أجسام بمهام غير قانونية، ولا يؤدي المجلس الرئاسي مهامه تجاه الوطن وسيادة وحماية أراضيه ولا يحقق أي مصالح لليبيا".
وقال عن امتلاك المجلس الرئاسي صفة القائد الأعلى: "هم في الواقع لا يسيطرون على رقعة جغرافية واحدة، وخير دليل على ذلك الاشتباكات التي دارت في ضاحية تاجوراء شرق العاصمة طرابلس، بالإضافة إلى الاشتباكات بين التشكيلات المسلحة داخل العاصمة، كل ذلك تغييب لدور الدولة الليبية وهيبتها".
وأوضح أن "إلغاء صلاحية المجلس الرئاسي جاءت بعد انتهاء مدة اتفاق جنيف، الذي ارتبط بمدة زمنية معينة، على الرغم من أن هذا الاتفاق لم يحقق شيئا من البنود التي جاءت الحكومة والمجلس الرئاسي من أجلها، رغم مضاعفة مدة بقاءه التي حددت بـ18 شهر تم تمديدها لـ 18 شهر دون أي مصلحة تُذكر".
وقال: "كان من الواجب على مجلس النواب سحب هذه الصلاحيات بعد كل ذلك، وبالتالي فهو إجراء طبيعي جدا، وقيام البرلمان بذلك هو تداخل المجلس الرئاسي لصلاحيات ليست منه حقه، وكان أبرزها محاولات الرئاسي تغيير محافظ المصرف المركزي، وهذا ليس من اختصاصهم".
مشهد معقد
من جهة أخرى، قال أستاذ القانون والباحث السياسي، رمضان التويجر، إن "هذه القرارات بغض النظر عن نتائجها تعكس تعقد المشهد السياسي في ليبيا، وأنه وصل إلى مرحلة حرجة تتطلب تحرك واسع لخلق بيئة أفضل للتفاوض من أجل السلام، بكل قرار من هذه القرارات بغض النظر عن قانونيتة من عدمه إلا أنها تفرض واقع آخر على الصعيد الوطني والدولي".
واعتبر التويجر في تصريحات لـ"سبوتنيك"أن "ذلك يتضح من خلال حالة التصعيد السياسي الأخير، إذ يتوقع أن تشهد الأيام المقبلة تصعيدا وضغط اقتصادي وعسكري، مثل إغلاق حقول النفط أو ربما التلويح بالحرب".
ووصف الوضع الحالي بـ"الخطير"، مطالبا "بضرورة التفكير في مخرج سياسي لأنه اعتبر كل الخيارات الأخرى لها خطورة تهدد ليبيا وتؤثر على سيادتها".
وتشهد ليبيا أزمة سياسية متفاقمة في ظل وجود حكومتين تتنافسان على السلطة؛ إحداهما في الشرق بقيادة أسامة حماد، والأخرى في الغرب بقيادة عبد الحميد الدبيبة، الذي يرفض تسليم السلطة إلا عبر انتخابات.
وقد أعلن مجلس النواب الليبي مؤخرا عن فتح باب الترشح لرئاسة حكومة جديدة في محاولة لإنهاء الانقسام السياسي في البلاد، فيما لا تزال الجهود مستمرة للوصول إلى حل يُفضي إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي يتطلع إليها الشعب الليبي.